لم ينتظر أب سعودي شهر أبريل ليحل، وسبقه بكذبة أيقظ عليها ابنه الغارق في النوم، حين أخبره بأن يستيقظ فوراً، لأنه انفصل عن أمه، لترتسم ملامح المفاجأة على وجه الشاب الصغير، الذي سارع للنهوض للبحث عن أمه المكلومة وهو يردد «أمي وين»؟ وما كان من الأب إلا أن احتضنه بقوة، وطلب منه أن يهدأ لأن ما قام به «لا يتعدى كونه مجرد مزحة»، وثقَّها بكاميرا جواله. ويشوب أجواء الأيام الأولى من نيسان (أبريل) في كل عام الحذر مما عرف وانتشر عنه أنه «كذبة أبريل»، التي كانت حكراً على الأوروبيين قبل أن تنتشر في أرجاء العالم، لتصل إلى المجتمعات المحافظة جداً، ومنها المجتمع السعودي الذي ينبذ الكذب ويعاقب عليه، حتى وإن كان «كذبة بيضاء» أو «مقلباً»، أو حتى ما بات يعرف في ما بعد «بكذبة الكفار» (كذبة أبريل)، إذ يعد التعاطي مع هذه الكذبات استنقاصاً في الرجولة والمكانة الاجتماعية. وحدث تحوّل كبير ومطرد في السنوات العشر الماضية، إذ باتت كذبة أبريل ترتدي الثوب السعودي، وتتزين بالشماغ والغترة وحتى العقال، وتأقلمت لتكون «كذبة أبريل السعودية»، من خلال مقالب محلية خاصة، ليتجاوز منفذوها المحاذير الاجتماعية التي تندد بالتعاطي معها، ولم تكن هذه الكذبة التي تحولت للتخفيف من اسمها إلى «مقالب أبريل»، حكراً على الرجال لتتعداهم وتصل إلى الجنس الناعم أيضاً، وأسهم التوثيق من طريق الكاميرات الرقمية أو الجوال في انتشارها بصورة كبيرة. وتلعب الإشاعة دوراً مهماً في التعاطي مع «كذبة أبريل»، إذ أصبحت أخباراً قديمة ومكذوبة متكررة في مثل هذا التاريخ، ومنها قرارات رسمية مثل زيادة الرواتب والإجازات، وتغيير في المناصب الوزارية وغيرها، إلى جانب إشاعات فنية مثل موت فنان أو فنانة، وحتى الفضائح لها نصيب الأسد من طقوس هذا الشهر. لا يكاد يختلف السعوديون كثيراً في التعامل مع «كذبة أبريل»، وعلى رغم أن معظمهم يتعامل وفق التقويم والأشهر الهجرية، إلا أن تعاملهم مع هذا الشهر الميلادي بات استثنائياً، فلم يستبدلوا اسم هذا الشهر بآخر هجري ليصبح على سبيل المثال «كذبة رجب»، بل أبقوا على الاسم الأصلي وأصبح مألوفاً. وانتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي تساؤلات عدة حول هذا اليوم، وكان من أبرزها «هل يحتاج السعوديون إلى شهر معين بذاته في السنة ليبدأوا موسم الكذب الأبيض أو المزاح»؟ إذ تعج صفحة «يوتيوب» بقنوات عدة لسعوديين نقلوا التجربة الغربية في قنوات التحدي والمقالب، وانتشرت أخيراً لتشكل توجهاً حديثاً للقنوات الخاصة، التي استقطبت متابعين تجاوز بعضها مليوني مشاهدة. ولا تزال «كذبة» نفذها صديق يدعى سلطان بصديقه بدر، تتصدر قائمة المشاهدات في «يوتيوب»، حين أعد له مقلباً فريداً من نوعه، بعدما اتصل عليه وطلب منه أن يزوره في شقته، وفور وصوله تظاهر الصديق بأنه سيدخل ليستحم، وكان أعد مشهداً تلفزيونياً لنشرة أخبار رسمية، كان يتلى فيها بيان من وزارة الداخلية لمطلوبين في قضايا إرهابية. انشغل بدر بالجوال بينما البيان المفبرك كان يتلى حتى صعقه وجود صورته واسمه من ضمن المطلوبين بعد اسم صديقه سلطان، ليقفز من مكانه وهو في حال يرثى لها، ليستدعي صديقه بصوته الخائف ويخبره بما حصل، وما كان من الصديق معد الكذبة إلا أن أقنعه بتسليم نفسه للجهات الأمنية، ويتحول المشهد في ما بعد إلى معاناة كبيرة وألم لم يحتمله الصديق المنكوب، الذي كاد أن يفقد الوعي قبل أن يكشف صديقه «المقلب الأبريلي». ومن المتوقع أن تشهد هذه القنوات إلى جانب حسابات في تطبيق «سناب شات» و«إنستغرام»، مقالب أبريل وبشكل مكثف، وخصوصاً أن إحصاءات مستخدمي هذه التطبيقات من المملكة تجاوزت أعداداً خرافية، ومع إعلان مشاهير في هذه التطبيقات بتجهيزهم لمقالب تتناسب و«كذبة أبريل»، يجعل التوقعات مفتوحة إلى مزيد من المفاجآت. ويحتفل ب«كذبة أبريل» في دول عدة في الأول من نيسان (أبريل) من كل عام، وهو لا يعد يوماً وطنياً أو معترف به قانونياً، لكنه أصبح ومع مرور الزمن يوماً للمقالب والضحك وخداع الناس بصورة كوميدية، ويمكن أن تتحول إلى أزمات أو يتعرض أشخاص بسبب هذه الكذبة، التي دائماً ما تكون محل أنظار العالم في مثل هذا التاريخ. اختلف الباحثون في تاريخ وأصل هذه الكذبة، فمنهم من يرى أنها عادة فرنسية بدأت مع تبني التقويم المعدل الذي وضعه شارل التاسع مطلع العام 1564، وكانت فرنسا أول دولة تعمل بهذا التقويم، إذ كان الناس يحتفلون بعيد رأس السنة في 21 آذار (مارس) وينتهي في 1 أبريل، بعد أن يتبادل الناس الهدايا لعيد رأس السنة الجديدة، والمحتفلون بيوم 1 أبريل أطلق عليهم «ضحايا أبريل»، وأصبح المزاح والمقالب سيدي الموقف. ويذهب باحثون إلى أن «هناك علاقة قوية بين الكذب في أول أبريل وبين عيد هولي، المعروف في الهند الذي يحتفل الهندوس فيه من كل عام، وفيه يقوم بعض البسطاء بمهمات كاذبة لمجرد اللهو والدعاية، ولا يكشف عن ألاعيبهم وكذبهم إلا في مساء اليوم الأول من أبريل». ويرى آخرون أن أصلها ونشأتها تعود إلى القرون الوسطى، إذ إن في هذا الشهر كان وقت الشفاعة للمجانين وقصار العقول، فيطلق سراحهم في أول الشهر، ويصلي العقلاء من أجلهم، وفي تلك الحقبة نشأ «عيد جميع المجانين»، أسوة بالعيد الأشهر في تلك الحقبة «عيد القديسين».