تواجه الحركة الإسلامية اليوم أزمة قانونية وتنظيمية، تحدث الأزمة الكبرى والأكبر في تاريخ الحركة الإسلامية في لحظة بالغة الحرج والحساسية؛ حيث بدأت الحملة الانتخابية لمجلس النواب المتوقَّع إجراؤها بعد 6 أشهر على أبعد تقدير، وهي فترة قصيرة جداً، حتى لو كانت الحركة الإسلامية مكتملة مؤسسياً، للبدء باختيار المرشحين وتنظيم الحملة الانتخابية، والتي يجعلها قانون الانتخاب بالغة الصعوبة والتعقيد، وتحتاج إلى حملة كبيرة من الاتصال الشخصي بالمواطنين، جميع المواطنين، لتنظيم تسجيلهم في الدوائر الجديدة المتشكلة، ولإدارة وتحديد المناطق الانتخابية والناخبين أيضاً. وقد بدأت الأزمة عندما رفعت جلسة مجلس شورى حزب جبهة العمل الإسلامي قبل شهر تقريباً من دون انتخاب أمين عام ومكتب تنفيذي ورئيس ومكتب مجلس شورى جديد للحزب، ولكن عدداً من أعضاء مجلس الشورى واصلوا اجتماعهم بعد إنهاء الاجتماع، وانتخبوا رئيساً ومكتباً لمجلس الشورى من دون انتخاب أمين عام ومكتب تنفيذي، وقد اعتبر الأمين العام للحزب د. إسحق فرحان وأيدته اللجنة القانونية للحزب الاجتماع الذي عُقد غير قانوني، بذلك فإن النتائج المترتبة عليه تعتبر باطلة، ولكن الرئيس المنتخب في الاجتماع المختلف عليه دعا في إعلان نُشر في الصحافة المحلية بناء على توقيع عدد من الأعضاء دعوة لأعضاء مجلس شورى الحزب للاجتماع واكتمال تشكيل وانتخاب قيادات الحزب. النظام الأساسي للحزب حدَّد آلية الاجتماع غير العادي لمجلس شورى الحزب بدعوة يوجهها الأمين العام أو رئيس مجلس الشورى، وحتى في حالة طلب ثلث الأعضاء لاجتماع غير عادي، فإنه يُعقد بدعوة الأمين العام أو رئيس مجلس الشورى، وفي حالة فشل عقد المجلس ثلاث مرات متتالية، فإن مجلس الشورى يُعتبر منحلاً، ويجب إجراء انتخابات جديدة. والأزمة الأخرى للحزب مستمدة من قرار لمجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين يلزم أعضاء مجلس شورى الحزب من الإخوان المسلمين، وهم أكثر من 95 في المئة من الأعضاء بانتخاب شخص محدد وجدلي أميناً عاماً للحزب، سبق أن فرض على الحزب أميناً عاماً، ودخلت الحركة الإسلامية في حالة شلل أدت إلى استقالة الأمين العام والمكتب التنفيذي، وهو قرار تعتبره غالبية أعضاء مجلس شورى الحزب من الإخوان المسلمين والمستقلين غير قانوني، وغير لائق أيضاً؛ إذ إنه يمثل وصاية غير مبررة على قيادات عريقة وناضجة في العمل التنظيمي والسياسي والنيابي، ولمّا كانت تقاليد العمل والعلاقات في الجماعة تقوم على عدم الاصطدام المباشر مع مجلس شورى الجماعة، فإن فرصة الغالبية المعارضة في حزب الجبهة تقوم على تعليق اجتماعات مجلس شورى الحزب، وإعادة الكرة إلى مجلس شورى الإخوان ليتراجع عن قراره أو يواجه هو الآخر أزمة شبيهة تؤدي إلى حله وإعادة الانتخاب. وفي مقابلة صحافية للمراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين همام سعيد، قال إن قرار مجلس شورى الجماعة ملزم للإخوان في الحزب. وهو تصريح دفع بالأزمة من وجهة نظر المعارضين إلى إغلاق تام ومواجهة مصيرية بين المجموعتين في الجماعة والحزب؛ حيث ستراهن المعارضة على تعطيل مجلس شورى الحزب والجماعة، وتراهن قيادة الجماعة على إمضاء الاجتماعات ووضع المعارضة تحت الأمر الواقع، ولما كانت المجموعتان على قدر متساوٍ تقريباً من حيث العدد والتأثير، فإن الاحتمالين متساويان تقريباً، وإن كانت قيادة الحزب تستطيع أن تعطل قانونياً اجتماعات الحزب. وفي هذه الحالة إن لم تتوافق المجموعتان، وتمضي المجموعة المؤيدة بقرار مجلس شورى الجماعة في اجتماعات للحزب، فإن جدلاً قانونياً سيقع يحتاج إلى تدخل المحكمة ووزارة الداخلية صاحبة العلاقة والشأن في تنظيم العمل الحزبي؛ لأن سؤالاً حكومياً وسياسياً سينشأ عمّن هي قيادة الحزب! بالطبع، فإن الأزمة لم تبدأ بهذه اللحظة الحرجة، ولكنها تعبر عن المرحلة التي وصل إليها الخلاف الداخلي في الحركة الإسلامية، فالتيار المسيطر بغالبية قليلة في جماعة الإخوان المسلمين والموصوف عادة بأنه مرتبط بحركة حماس يصر على ترشيح شخصيات جدلية سياسياً وقانونياً على رغم أنه يمكنه ترشيح شخصيات سياسية مقبولة وتنتمي إلى التيار المؤثر في الجماعة، وتحصل على توافق غالب يقترب من الإجماع، وتستطيع أيضاً أن تقدم قيادة سياسية يمكنها التعامل مع الحكومات والتيارات السياسية والفكرية داخل الجماعة وخارجها، وعندما فرض مجلس شورى الجماعة في العام 2006 الشخص نفسه الذي أعاد ترشيحه، ظل الحزب معطلاً مدة ثلاث سنوات، حتى جرى التوافق على استقالته، وانتخاب أمين عام يسيّر الحزب لحين استحقاق الانتخابات التنظيمية للحزب. والجماعة نفسها تواجه أسئلة داخلية وسياسية وقانونية وأخلاقية لم تتم معالجتها، بعد إحالة مراقبها العام إلى المحكمة بتهمة الفساد، والخلاف الداخلي الكبير الذي حسمه مكتب الإرشاد العالمي حول آليات التمثيل والانتخاب في الجماعة، الأمر الذي يجعل شرعية الجماعة وصدقيتها في مواجهة مصيرية مع الذات والقانون، وهكذا فإن الحركة الإسلامية تدفع بخلافاتها الداخلية إلى أزمة قانونية وسياسية قد تؤثر في وجودها ومصيرها، وقد تضعها تحت وصاية القضاء ووزارة الداخلية، وكان ممكناً تجنب ذلك ببساطة وبقدر من المنطق والمراجعة. والحال أن أزمة الإخوان المسلمين تعكس أزمة المجتمع والسياسة في الأردن وحال الانقسام الجغرافي وليس الفكري والبرامجي، وتحول المجتمع إلى اختلاف جهوي بدلاً من الاختلاف الفكري والبرامجي، المفترض أن يشكل الجماعات والمجتمعات ويمنحها تعددية وثراء فكرياً وروحياً أيضاً، ولكن وفي حالة غير مفهومة وبعد أكثر من 15 انتخاباً نيابياً أُجريت منذ تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية في العام 1946، وانتخابات أخرى تشريعية كانت تجرى منذ نهاية العشرينات، وانتخابات بلدية ونيابية كانت تجرى منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر، يعيد الأردنيون، أفراداً وجماعات وتيارات وقيادات ونخباً سياسية واقتصادية ونقابات مهنية وعمالية، تقسيم أنفسهم عشائر وقرى وأصولاً ومنابت، ويسعون إلى محاصصة بدائية في المواقع القيادية في الحكومات والنواب والأعيان والأحزاب والنقابات والبلديات. ولكن يزيد حالة الإخوان المسلمين صعوبة تحولهم إلى جهة تابعة للمكتب السياسي لحركة حماس في دمشق، الأمر الذي يربط مصير الجماعة ومواقفها السياسية ومشاركتها النيابية والبلدية والنقابية وقراراتها التنظيمية بتعليمات ومطالب يوصلها سائقو تاكسي وحراس مقامات الأولياء في دمشق وقم، وإنها لحالة على رغم كاريكاتوريتها يمكن أن تكون (ولعلها صارت بالفعل) حقيقة واقعية. * كاتب أردني.