في بداية السبعينات، طرح النظام مسودة دستور لا تنص على أن الإسلام هو دين رئيس الجمهورية. وعندما حصلت «احتجاجات» في المجتمع ذي الغالبية الإسلامية، طرحت مسودة جديدة فيها مادتان. الثالثة، تشترط الإسلام ديناً لرئيس الجمهورية. الثامنة، وتنص على أن حزب «البعث» هو القائد للمجتمع والدولة. وقتذاك، مرر النظام المادة الثامنة تحت عبارة الثالثة. وبقي الدستور قائماً في سورية، بمادتيه الثالثة والثامنة، إلى العام 2012، عندما جرى التخلي عن الأخيرة في النصوص مع إصدار قوانين أخرى أبقت على «البعث» حاكماً في البلاد. تتمحور المعركة السياسية الآن على الدستور، باعتباره بموجب القرار الدولي 2254، أحد أركان أجندة المفاوضات السورية. يعقب تشكيل «حكم تمثيلي وشامل وغير طائفي» خلال ستة أشهر ويسبق الانتخابات بإدارة وتحت رقابة الأممالمتحدة وبمشاركة المخولين من اللاجئين خلال 18 شهراً. تحديد وزير الخارجية الأميركي جون كيري بعد لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مساء أول أمس، شهر آب (أغسطس) موعداً ل «الدستور الجديد»، سرّع من المعركة السياسية بين الأطراف السورية، إضافة إلى أنه أربك المسؤولين الإعلاميين في دمشق. إذ أن «وكالة الأنباء السورية الرسمية» (سانا) التي نقلت معظم تصريحات كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف تجاهلت موعد الدستور. معركة الدستور مستمرة وراء الأبواب منذ خمس سنوات. بالنسبة إلى معارضين من «المنطقة الحمراء»، بادروا إلى الدعوة إلى دستور جديد، كان بعضهم يرى في دستور العام 1950 صالحاً على أساس العودة إلى النظام البرلماني بولايتين للرئيس خمس سنوات لكل منهما، فيما اقترح معارضون وسطيون «نظاماً مختلطاً: رئاسياً -برلمانياً». أما النظام، فبقي متمسكاً بدستوره «الرئاسي» الصادر في عز الانقسام السوري العام 2012، وهو يحاجج بضرورة عدم حصول أي فراغ دستوري. لذلك فان أي عملية سياسية، بالنسبة إلى دمشق، يجب أن تكون على أساس هذا الدستور. وذهب موالون للنظام من «المنطقة الخضراء» إلى القول في جلسات مغلقة: «نقبل في أي معارض، مسلح أو مدني، إسلامي أم علماني، طالما أنه يؤدي القسم الدستورية أمام الرئيس ويقبل الدستور». ضمن هذا التصور القائم على «اللافراغ الدستوري»، أجريت انتخابات الرئاسة في 2014 رغم انتقادات دولية غربية وتشكيك بشرعيتها. وهناك إصرار على إجراء الانتخابات البرلمانية في 13 نيسان (أبريل) المقبل رغم الانزعاج الروسي الضمني لأن إجراءها يتناقض مع مضمون القرار 2254 وبيانات «المجموعة الدولية لدعم سورية»، التي كتبها لافروف وأقرها كيري وسمعها الأعضاء الآخرون في «المجموعة الدولية». أمام ثنائية صراع النظام - المعارضة على الدستور، كان المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا يرى الحل الوسط في «إعلان مبادئ دستورية» يحكم البلاد خلال المرحلة الانتقالية وقد تكون وثيقة المبادئ ذات ال 12 بنداً التي صدرت في نهاية الجولة التفاوضية في جنيف الخميس الماضي، ورقة خلفية لهذه المبادئ الدستور، إلى أن تستقر البلاد لصوغ دستور جديد. وأيده سوريون يقعون في «المنطقة الرمادية» البدء بإعلان دستوري «لأنه لا يجوز صوغ دستور يحكم لسنوات بعيدة في مرحلة انقسام». وكان المبعوث الدولي على علم بحوارات خلفية تجري بين موالين للنظام ومعارضين لصوغ مسودات وخيارات دستورية جديدة. وبحسب وثائق اطلعت «الحياة» على نصها، بحث الخبراء الدوليون والسوريون ثلاثة خيارات: الأول، دستور 2012 وضرورة تعديل 23 مادة منه تتعلق بالصلاحيات الرئاسية التنفيذية والتشريعية والدستورية والعسكرية والقضائية. الثاني، اعتماد دستور جديد أو العودة إلى دستور العام 1950. الثالث، إعلان دستوري. كشفت المناقشات عن فجوة ناتجة من الاستعجال في صوغ «بيان جنيف». البيان، الصادر في منتصف 2012، انطلق من اقتراح قدمه وزير الخارجية العراقي السابق هوشيار زيباري مستوحى من تجربة العراق في تشكيل «مجلس الحكم الانتقالي» بعد التدخل الأميركي في 2003. لكن تبين أن حديث عن «هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة وقبول متبادل»، يتضمن إشكالية غياب البعد التشريعي لهذه «الهيئة»، بحسب اعتقاد خبراء دوليين. المعارضة، ترى في «الهيئة الانتقالية» المرجعية العليا التي تتبع لها جميع المؤسسات السورية، العسكرية والأمنية والتنفيذية والمدنية. النظام، يرى «الهيئة، تحت سقف الرئيس». المبادئ التي أقرها الجانبان الأميركي والروسي تقوم على الدفع في اتجاه «الانتقال السياسي» على أساس «تشاركية مسؤولين في النظام والمعارضة في صوغ نظام جديد»، ذلك أن كيري كان طوى في زيارته إلى موسكو السابقة قبل أربعة أشهر مرحلة «تغيير النظام»، في مقابل طوي لافروف قناعة «بقاء النظام على حاله». لذلك، فالمطروح هو مفاوضات بين ممثلي الحكومة والمعارضة في نيسان وأيار (مايو) المقبلين لتشكيل «حكم جديد تشاركي» في نهاية أيار أو بداية (حزيران). القناعة الأصيلة لفريق دي ميستورا وخبراء دوليين، هي استحالة بحث «الحكم الجديد» من دون بحث الدستور، لذلك فان العمل جار على دمج بحث مادتين على أجندة تنفيذ القرار 2254، وهما: «الحكم التمثيلي والدستور». وأثار بعضهم فكرة صدور إعلان المبادئ الدستورية بقرار دولي مع الاعتراف بالحكم الجديد، بحيث يتم توفير شرعيتين، سورية ودولية، ل «الحكم الجديد». التجاهل الإعلامي لوسائل الإعلام الرسمية السورية لحديث كيري في موسكو عن «الدستور الجديد»، لا يعكس الحقيقة. إذ إن الحكومة السورية أعدت العدة لهذه «المعركة». وبحسب معلومات فإن الوفد الحكومي «تسلح» بتعديلات على دستور العام 2012، فيها ثلاثة تغييرات: «إزالة عبارة أن الإسلام دين رئيس الجمهورية، للرئيس ولايتان مدة كل منهما سبع سنوات بدءاً من الانتخابات المقبلة، انتخاب الرئيس عبر البرلمان وليس بالاستفتاء المباشر. هذا ينسجم مع دستور العام 1950». المعركة الدستورية تحدد معالم الانتخابات الرئاسية. لذلك، فان التعديل الأخير، مهم لدمشق وحلفائها، لأنه يفرغ بنداً أساسياً من القرار 2254 من مضمونه. إذ إن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف رفض خلال صوغ بيانات فيينا قبل صدورها في قرار دولي تحديد طبيعة الانتخابات المقبلة (رئاسية أم برلمانية) بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، قائلاً إن تحديد طبيعة النظام يعود إلى السوريين لأنه قد يقرر السوريون انتخاب الرئيس في البرلمان. لذلك، فان وزير الخارجية وليد المعلم «انفجر» عندما قال دي ميستورا في 10 آذار (مارس) أن المفاوضات ترمي إلى بحث «المفاوضات البرلمانية والرئاسية»، أي أنه حدد الانتخابات غير المحدد في القرار الدولي وحدد طبيعة النظام السياسي قبل أن يحدد. المقلق في دمشق، كان أن يكون السوريون اللاجئون، الذين هم في معظمهم معارضون، قادرين على التصويت بإدارة وتحت إشراف الأممالمتحدة. وباعتبار أن السوريين يصوتون في الانتخابات الرئاسية ولا يصوتون في الانتخابات البرلمانية، فإن اقتراح تعديل النظام السياسي والعودة إلى دستور العام 1950، الذي كان «ملعوناً» بسبب تبني المعارضة له، يكون قدم «وصفة» وفرغ «التنازلين» الروسي - الإيراني (إشراف الأممالمتحدة وحق اللاجئين بالتصويت) من مفعولهما. ويعتقد أن الوفد الحكومي وضع «الدستور المعدل» في جيبه وسيطرحه في الوقت المناسب في مفاوضات جنيف، التي يريد الأميركيون والروس ودي ميستورا أن تركز على القضايا الجوهرية و «الانتقال السياسي» والدستور لدى استئنافها في 10 الشهر المقبل.