«لا تقاطعني...» هي صيحة غاضبة تتكرر باستمرار على ألسنة ضيوف الفضائيات، ولعل هذا ما دفع منتدى الإعلام العربي الذي اقيم، أخيراً، في دبي الى تخصيص محور لهذا الشأن. والواقع ان «المقاطعة»، إن جاز هذا التعبير، تعد بين أبرز مثالب برامج الحوار العربية، أبرز مزاياها في آن. فحين يتحدث أحد الضيوف بصورة منطقية سلسة رداً على سؤال ما، ويتدخل المذيع، بلا مبرر، للمقاطعة، فذلك يربك ايقاع البرنامج، ويشتت أفكار الضيف الذي يُستفز ويلوذ بصمت قسري، وفي المقابل ثمة ضيوف يثرثرون بعيداً من السؤال المطروح، وهنا تكون المقاطعة مجدية، بل وضرورية. ومع ان النسبة الأعلى من المقاطعات التي يرتكبها مقدمو البرامج تبدو عشوائية ومزاجية، ولكن يجب ألا يغيب عن البال أن اسلوب المقاطعة حتى وإن بدا مقنعاً، لا يأتي بالضرورة بغية ضبط إيقاع البرنامج. ذلك ان ثمة مقاطعات تتعلق بالخطاب الإعلامي لهذه الفضائية أو تلك، فقد نجد ضيفاً يتحدث في صلب الموضوع المطروح لكنه يشطح قليلاً باتجاه النيل من سياسة هذه الفضائية أو تلك. عندئد، ينبري المذيع لإسكاته إما بتعليمات وصلته عبر السماعة الخفية، أو باجتهاد شخصي منه. والمفارقة ان الفضائيات الرسمية لا تعاني من آفة المقاطعة بمقدار ما تعانيه الفضائيات المستقلة. ولا يحتاج الأمر الى عناء كبير لمعرفة السبب. فالفضائيات الرسمية تتبع قاعدة ذهبية تقول «ابعد عن الشر وغنّ له» التي تحميها من الوقوع في المحظور. بمعنى أنها لا تستضيف سوى الأصوات الموالية لسياستها سلفاً، على عكس «المستقلة» التي تتشدق بشعار «الرأي والرأي الآخر»، فتعلو نبرة المقاطعة إزاء مفاجآت غير سارة! أما المقاطعات التي تحدث بين الضيوف، فيمكن تفسيرها على انها ناتجة من جهلهم ب «آداب الحوار»، وافتقارهم الى فضيلة الإصغاء. والمفارقة هنا أيضاً أن غالبية المقاطعين هم ممن يفتقرون الى الدلائل والبراهين، لتغدو المقاطعة، والحال كذلك، حجة الضعيف الذي يحاول التشويش على أفكار خصمه المتناسقة والجادة، في الوقت الذي لا يملك «المقاطع» افكاراً ومعلومات تدعم وجهة نظره المطروحة كشعار يتيم، عالي النبرة، لكن بلا مقومات نظرية ناجحة، في حين نرى الضيف الذي يملك الحجة والبرهان، ويتمتع بفكر متنور وثقافة واسعة، خجولاً، ومتواضعاً ومنزهاً عن المقاطعة. وما يرفع من وتيرة «المقاطعات»، أحياناً، هو الأسئلة الغبية التي تدفع الضيوف الى خوض حوار سفسطائي يبدو معه البرنامج وكأنه ثرثرة في مقهى. ولأن وقت الضيوف ثمين، ووقت الفضائيات أثمن تبعاً للعبارة «داهمنا الوقت»، فالمطلوب هو الإعداد الجيد لهذا البرنامج أو ذاك عبر صياغة أسئلة دقيقة ومحددة، والتدخل عند اللزوم، وتوزيع الوقت على نحو عادل بين الضيوف، بهدف التخفيف من جرعة «المقاطعات» التي تعكس، على كل حال، جانباً من المشهد السياسي والإعلامي العربي المأزوم.