أقر البرلمان الإسباني خطة تقشف حكومية الخميس الماضي، لكن الغالبية الضئيلة جداً التي حظي بها المشروع والتوقعات الحكومية المفرطة في التفاؤل على صعيد النمو الاقتصادي جعلت الأسواق تستقبل الخطة بفتور شديد. ويسلّط رد فعل الأسواق التحديات الأوسع التي تواجه حكومات أوروبية كثيرة فيما تحاول استعادة مصداقيتها على صعيد المالية العامة. مرّت الخطة الحكومية المقدرة بنحو 15 بليون يورو، والتي تحاول خفض نسبة عجز الموازنة الحكومية إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى ستة في المئة السنة المقبلة من 11.2 في المئة حالياً، بفارق صوت واحد في البرلمان الإسباني، فقد أيدها 169 نائباً وعارضها 168، فيما امتنع 13 نائباً عن التصويت. ويعكس الفارق الطفيف حدة التوترات السياسية عبر أوروبا فيما يجهد السياسيون لكبح حالات العجز التي تفاقمت خلال الأزمة المالية حين تراجعت الضرائب وارتفعت النفقات في شكل حاد. حين انتشرت الأخبار عن التصويت الإسباني، ضاقت الفوارق بين أسعار السندات الحكومية الإسبانية وتلك الألمانية التي تُعَد مرجعية في أوروبا، لكن الفوارق ما لبثت أن اتسعت صباح الجمعة الماضي مع تفاقم المخاوف من فشل الحكومة الحالية في تنفيذ التدابير المنصوص عليها في الخطة، وتشمل تخفيضات في الاستثمارات الحكومية والمدفوعات إلى القطاع العام. فالحكومة لا تملك غالبية واضحة في البرلمان، ما يجعل تطبيق أي تدابير غير شعبية صعباً. وتواجه حكومات أوروبية أخرى تحديات مماثلة، فهي تدفع في سبيل إصلاحات شائكة وغير شعبية لخفض حالات العجز مجدداً إلى أقل من النسبة المئوية المقررة من قبل الاتحاد الأوروبي وهي ثلاثة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أملاً في استعادة ثقة الأسواق في سنداتها السيادية. وتخرق دول الاتحاد كلها تقريباً السقف المقرر أوروبياً. بعد تعرض السندات السيادية الأوروبية واليورو لضغوط بسبب المخاوف من تضخم ديون الحكومات وحالات العجز في موازناتها، اتفق وزراء المال في دول الاتحاد الأوروبي في 9 أيار (مايو) الحالي على رزمة إنقاذ قيمتها 750 بليون يورو تكون بمثابة الملاذ الأخير لتحقيق الاستقرار في منطقة اليورو. وقالوا في الوقت ذاته إن على دول مثل البرتغال وإسبانيا أن تتخذ إجراءات إضافية لترتيب أوضاع مالياتها العامة. لكن سندات تبادل التوقف عن تسديد الائتمان السيادي، وهي مؤشر على ثقة الأسواق في اقتصاد معين، بقيت تُباع وتُشترى في مقابل أسعار مرتفعة. بل إن أسعار السندات العائدة لدول تحدق الأخطار باقتصاداتها ارتفعت إلى مستويات فاقت تلك التي سادت قبل إعلان الرزمة. لقد ارتفع الفارق بين الطلب والعرض على السندات الإسبانية التي تستحق بعد خمس سنوات إلى 225 – 245 نقطة من 140 – 180 نقطة قبل 10 أيار، وإلى 310 – 330 نقطة من 280 – 330 نقطة بالنسبة إلى السندات البرتغالية، وإلى 200 – 220 نقطة من 161 – 171 نقطة بالنسبة إلى السندات الإيطالية، وإلى 235 – 255 نقطة من 160 – 190 نقطة بالنسبة إلى السندات الإرلندية. وتتسابق الحكومات عبر أوروبا على إثبات جدية تدابيرها التقشفية. تؤكد إيطاليا أنها ستوفر 24 بليون دولار خلال السنتين المقبلتين، فيما تشدد البرتغال على أنها ستخفض المدفوعات إلى القطاع العام بواقع خمسة في المئة وسترفع الضرائب. وأعلنت بريطانيا عن تخفيضات في الإنفاق تساوي ستة بلايين جنيه إسترليني تقريباً. أما اليونان التي تلقت معونة من منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي يمكن أن تصل إلى 110 بلايين يورو، فخفضت رواتب موظفي القطاع العام وزادت الضريبة على القيمة المضافة ورفعت الضرائب على المحروقات والتبغ والكحول. ولا تقتصر تخفيضات الموازنات على الدول الواقعة على أطراف أوروبا. فقد تعهدت فرنسا بخفض عجز موازنتها بخمس من نقاط الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الثلاث المقبلة ليعود إلى مستوى ثلاثة في المئة. وهي تعتزم تحقيق ذلك من خلال تجميد الإنفاق الحكومي ولجم تكاليف العناية الصحية وإغلاق عدد من الفجوات الضريبية. حتى ألمانيا، الدولة الحسنة الأداء في منطقة اليورو التي تتحول إلى مراقب لانضباط الدول الأعضاء على صعيد المالية العامة، تواجه تحدي توفير 10 بلايين يورو سنوياً بدءاً من السنة المقبلة التزاماً بقانونها الدستوري الجديد الذي ينص على أن عجز الحكومة الفيديرالية يجب ألا يتجاوز 0.35 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2016. يبقى أن تقتنع الأسواق بامتلاك حكومات منطقة اليورو الإرادة السياسية للمضي في تطبيق الإجراءات الموعودة وبصحة توقعات النمو الاقتصادي خلال السنوات المقبلة الواردة في خطط التقشف المعلنة.