«في عالم الأمس، أيام الباقلاني والفارابي وابن سينا والشافعي وابن حزم وغيرهم كان الحد»، التعريف «لكل مفردة مكوناً للعقل المعرفي، ففي الحد تظهر الحقيقة، وبالحد يكون الإيمان بالمفهوم، ومعه كل الفعل والتفاعل، فتكونت معارف السابقين». بهذا التوضيح بدأ الباحث صالح العييري مقدمته لمؤلفه الجديد «الموسوعة الموجزة في العلوم والثقافة والفنون.. من معارف المرحلة الثانية»، كاشفاً أن هذه الموسوعة تهتم مثلاً بالمقدّس «القرآن الكريم» من دون التعرض لوجهات نظر الملل والمذاهب، وتقوم بتفكيك المفردات لإزالة الغموض، وتتناول المفاهيم ونظرياتها إن وجدت للإثراء، ف«النظرية مغايرة للمفهوم العام»، كما تطرح الترادف اللفظي لتبيان الاختلاف. وتناولت الموسوعة العلوم الإنسانية الأساسية وكل ما هو متداول في العصر الحديث حول مجال الموسوعة ومواضيعه المتنوعة، ما يوفر على كثير من الباحثين والمهتمين مادة مهمة تثري المكتبة العصرية، واعتمدت هذه الموسوعة على الكثير من الدوريات والكتب المتخصصة وغيرها مما جعلها مادة علمية ذات جدية في ما طرحته، شأنه شأن مؤلفات الباحث العييري التي تتجاوز 11 إصداراً، منها كتب «ميلاد البشري»، و«تولب نافع»، و«البداية كانت»، و«الجغرافيا ولجام الحق». يذكر أن هذا الإصدار عرض في جناح «المؤلفون السعوديون» في معرض الرياض الدولي آذار (مارس) 2014. وسهل الباحث العييري على القارئ هذه الموسوعة التي نوعت الأحداث التاريخية والاقتصادية والعلمية والفنية، فخرجت لأن تكون مكملة للمرحلة الأولى من الثقافة العامة التي يعرفها القارئ عن التضاريس والظواهر الطبيعية والمخترعات والمنجزات، ولكنه سعى في المرحلة الثانية إلى أن يتعرف القارئ على ما وراء الشيء، مثل الهدف والسبب والربط والتساؤل والعملية التشاركية وحصر التركيز على ما يهم القارئ العادي «غير المتخصص»، وجنب في موسوعته المعجمية والتراجم والسير، إلا أن يكون لصاحب السيرة تأثير عصري أو من خلال سيرته نقرأ رسالة مثل مفردة «مونا سالين والزنجي دريد سكوت والحاكم العثماني جمال باشا»، وأخذ في الموسوعة من كل التخصصات في الجغرافيا واللغة والفيزياء، وجعلها موسوعة مشتركة بين التخصصات من الذرة إلى المجرة، وحاول أن يجعلها موسوعة وعي معرفي، إذ لا تخلو من «كيف، ولماذا» ولا تخلو منه التناظر بين مفهوم المفردة ونظريتها لأجل الإثراء المعرفي، كما أنه توسع في تناول مفاهيم أم العلوم «الفلسفة»، إذ لا تخلو بصمات الفلسفة على علم من العلوم، وحاول تقريبها للفهم بالتركيز على تفكيك «المفردة»، وأسهم فيها بتقريب الظواهر العلمية لذهن القارئ بوسائل التركيز على الطرق ومعايير وأدوات وأجهزة العلماء التي من خلالها توصلوا إلى المعلومات، مثل معيار العلمية، وأجهزة مثل عداد ليبي، وأجهزة ال«سبكتروسكوب» وطريقة إخلاف المنظور والمطياف وغيرها. وأضاف لها ملحقين لدعم المفردات «المقاييس والمعايير» والمختصرات، ورتبها ألفبائياً، متمنياً ألا تستخدم لزيادة الغموض والتنفير من خير جليس. تتكون الموسوعة من ثلاث مجلدات تشمل 1700 صفحة، وقدمها ثلاثة من الباحثين، وتعتبر أول موسوعة منجزة في مجال الفنون والثقافة بشكل عصري وتتبع المعارف السائدة والمفاهيم المعاصرة في شتى المجالات الفنية والجمالية، وتعتمد على لغة ميسرة، وتتبع الدقة في المعلومة بما اعتمدت عليه من مصادر أساسية، كما اعتمد العييري في هذا المنجز الفريد الإشارات المباشرة وعدم الشروح المطولة. ويعد هذا العمل لافتاً لما اتصف به من الشمولية لجميع المصطلحات والمفردات التي اشتغل المؤلف على فتح دلالاتها لتكون الموسوعة في متناول الجميع.