يقوّم اقتصاديون ومستثمرون استمرار انخفاض سعر اليورو من منظور إيجابي تجاه اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، بخاصةٍ أن صادرات النفط والغاز التي تشكل المصدر الرئيس لمعظم إيراداتها تسعّر ب «الدولار القوي» حالياً. ولا يقتصر الأمر على النفط والغاز فقط، بل يطاول السواد الأعظم من السلع التجارية التي تقوّم بالدولار، كما أن واردات دول المجلس من الاتحاد الأوروبي تقوّم باليورو وتمثل 45 في المئة من إجمالي وارداتها. ويرى مدير إدارة البحوث والدراسات في مجلس التعاون الخليجي الدكتور نجيب عبدالله الشامسي، بحسب ما نقل موقع «الرؤية الاقتصادية» الظبيانية أمس، أن انخفاض اليورو يؤمن فرصاً سانحة للاستثمار وإبرام صفقات في منطقة اليورو، سواء في العقارات أو في القطاعات الاستثمارية المنوّعة. وأضاف: « تعدُّ أوروبا الشريك التجاري الأول لدول التعاون، ويصبُّ انخفاض اليورو بالتأكيد في مصلحة الأسواق الخليجية، لناحية أسعار مواد الاستهلاك أو الصناعة، كما يتيح فرصاً مجدية أكثر للأسر الخليجية الراغبة في زيارة إحدى الدول الأوروبية». ودفع انخفاض اليورو بمواطنين يقيمون في دول التعاون، إلى الإقبال على شرائه أملاً في معاودته إلى الارتفاع والاستفادة من فروقات الأسعار. وشجع انخفاضه الكبير مقيمين على تحويل مزيد من الأموال إلى بلدانهم، بخاصةٍ التي تربط عملاتها بالدولار أو بسلة عملات. وتراجع اليورو إلى ما دون 5 ريالات قطرية في الوقت الراهن، وكان يعادل 6 ريالات، وبات سعره 4.54 ريال قطري. وأكد مسؤولو شركات ومحال صرافة زيادة الإقبال على شراء اليورو بنسبة 30 في المئة، مقارنة بالفترة السابقة، وقالوا إن التحويلات المالية للمقيمين ارتفعت نحو 20 في المئة، مقارنة بفترات مقابلة من العام الماضي، يتراجع خلالها حجم التحويلات يستعد خلالها المقيمون لموسم السفر والإجازات السنوية. وبحسب تقديرات غير رسمية، تبلغ قيمة تحويلات الوافدين العاملين في منطقة الخليج والذين يزيدون على 13 مليون عامل نحو 45 بليون دولار. امتصاص الأزمة ورأى أحد العاملين في شركة صرافة قطرية، إياد الشرمان، أن ارتباط عملات الخليجي بالدولار ساعدها على تجنب حالات التذبذب واللاستقرار. وأضاف: «اقتصادات منطقة اليورو قوية في شكل عام وتستطيع النهوض من أي أزمة لأن معظم اقتصاداتها مبني على الإنتاج الصناعي، وهي قادرة على امتصاص الأزمة الراهنة». ويمثل انخفاض اليورو فائدة كبيرة للشركات الأوروبية المصدّرة في مواجهة نظيراتها في الولاياتالمتحدة والصين، التي تتجه نحو التركيز على دعم الاستهلاك الداخلي في أسواقها بدلاً من التوجه نحو التصدير بالتصدي للعجز الذي تشهده موازنة أكبر اقتصاد في العالم. وقال المحلل الاقتصادي القطري محمد العبدالله، إن استمرار تراجع صرف اليورو من شأنه أن يؤدي إلى خفض تكاليف واردات دول الخليج للسلع والبضائع الأوروبية، بخاصةٍ السيارات. وتشير توقعات إلى إمكان زيادة مستوردات دول الخليج من السيارات إلى 1.17 مليون سيارة خلال هذه السنة». وتابع: «أوروبا شريك تجاري رئيس لدول التعاون، وتأثر اقتصاداتها سلباً لأي سبب يخلق أجواء غير صحية من شأنها أن تضر بأسعار النفط وعائدات الاستثمارات العقارية الخليجية في دول الاتحاد الأوروبي، وربما بعض المصارف التي قد تتعرض مخصصاتها للأخطار». واعتبر الخبير الاقتصادي علي الكواري، أن انخفاض اليورو قد يستمر لفترة طويلة إذا قرر الاتحاد الأوروبي استغلال فرصة تراجع عملته الموحدة لإنعاش منتجاته وسلعه وزيادة حجم الصادرات، كما حدث مع انخفاض الدولار خلال الفترة السابقة وقيام الولاياتالمتحدة بزيادة صادراتها بعد ذلك. ولم يخف الكواري خشيته من أن يؤدي تراجع اليورو إلى ترك أصداء سلبية لجهة بدء التطبيق الفعلي للعملة الخليجية الموحدة، فأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي بعملته الموحدة كان يشكل نموذجاً للعملة القوية القادرة على تحدي الأزمات المالية والاقتصادية.