كما هو متوقع لم تكد تبدأ فترة الدعاية الانتخابية لانتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى المصري إلا وسيطر الهدوء على أجوائها، وباستثناء بعض الاجراءات التي طاولت مرشحي جماعة «الإخوان المسلمين» في عدد قليل من الدوائر، فإن الأجواء لا تشير إلى وجود معركة انتخابية أصلاً. أكثر ما يلفت الانتباه غياب النساء والأقباط تقريباً عن المعركة على رغم الأحاديث الوردية عن الحراك السياسي ونيل المرأة جزءاً من حقوقها وضرورة تمثيل الأقباط في المجالس النيابية. وظلت منظمات حقوقية وجمعيات المجتمع المدني تطالب الحزب الوطني الحاكم بأن يكون قدوة لبقية الاحزاب فيطرح على قائمته نساء وأقباطاًً على أساس أن «الوطني» الأكثر قدرة على مساندة مرشحيه، لكن الحزب في كل انتخابات اكتفى بترشيح عدد قليل جداً من النساء والأقباط وكأنه يخشى أن يفقد أعضاؤه أي مقعد، في حين أن لا مجال لمنافسة حامية مع أي حزب آخر أو حتى مرشحي «الاخوان» في انتخابات الشورى. ويتساءل الناس إذا كان هذا هو مستوى التمثيل الذي أراده الحزب الحاكم للنساء والأقباط في انتخابات مجلس الشورى فماذا سيكون موقفه في انتخابات مجلس الشعب المقررة قبل نهاية العام الجاري والتي تهتم بها كل القوى السياسية وتكون المنافسة فيها عنيفة؟ اللافت أن رموز الحزب الحاكم حين يطلون على الناس في برامج التلفزيون يطرحون آراء تساند ترشيح النساء والأقباط، بل إنهم يطالبون الأحزاب بذلك الأمر ثم تأتي دائماً لوائح مرشحي الحزب في أي انتخابات على غير ذلك النحو، فينطبق على الحزب المثل المصري: «اسمع كلامك أصدقك، أشوف أمورك استعجب». عموماً يبقى الأمر مجرد نموذج وعرض لمرض النظام الحزبي في مصر والانتخابات التي تقوم على النظام الفردي حيث يقترع الناس للمرشح على أساس هويته وليس كفاءته أو قدراته. وحين كانت الانتخابات تتم وفقاً لنظام القائمة المطلقة أو القائمة النسبية، فإن تمثيل النساء والأقباط كان مضموناً وفعالاً. لكن الحزب الحاكم الرافض لإجراء أي تعديلات دستورية قبل الانتخابات المقبلة لتغيير المواد المتعلقة بطريقة انتخاب رئيس الجمهورية، والرافض أيضاً لتعديل القوانين ذات الصلة بنظام الانتخاب وطريقة الاقتراع أو التمثيل، لديه الفرصة لطرح مرشحين من النساء والأقباط. لكن يبدو أن رغبته في الاستحواذ على المقاعد النيابية لا تترك لاقتراحات رموزه وأمنياتهم مكاناً على أرض الواقع، فتبقى مجرد آراء تطرح لتثري برامج الفضائيات وتحسن من صورة الحزب فتأتي الانتخابات لتظهر كل شيء على طبيعته ولونه الحقيقي. صحيح أن المصريين اهتموا في الأيام الماضية بالإجراءات التي طاولت العمال والموظفين الغاضبين والمحتجين الذين اعتصموا أمام مجلسي الشعب والشورى أكثر من اهتمامهم بانتخابات الشورى، لكن يبقى المستقبل السياسي في البلاد مرهوناً بنظام الانتخابات ومدى الإرادة السياسية لدى الأحزاب والقوى السياسية في تمثيل عادل لقطاعات الشعب في المجالس البرلمانية، ولم تكن لائحة المرشحين للشورى إلا تكريساً لما ساد في السنوات السابقة. ويبقى الأمل قائماً في أن يتغير الأمر قبل انتخابات مجلس الشعب ولكن الصورة لا تشير الى أي تغيير.