فاجأ الرد الاميركي السريع علي اتفاق طهران وتوزيع واشنطن مسودة مشروع عقوبات على اعضاء مجلس الامن الدولي، المجتمع الدولي. ولم يحسِب أحد ان ضحالة الساسة الاميركيين السياسية بلغت حداً يحول دون تقويمهم الموقف واحتسابهم الارباح والخسائر. ويبدو أن الولاياتالمتحدة أدركت ان ارغام ايران علي تعليق التخصيب صار مستحيلاً. فمالت الى انتهاج سياسة تشبه سياستها ازاء الصين في ثمانينات القرن الماضي، والاقرار بالواقع، والبحث في سبل التعامل مع الامر الواقع تعاملاً يراعي المصالح المشتركة بعيداً من المواجهة. وخير دليل علي ذلك رسالة وزير الدفاع الاميركي، روبرت غيتس، في كانون الثاني (يناير) 2010، وطلبه الى مجلس الأمن القومي تقويم خيارات جديدة للتعامل مع ايران. ووافقت ايران علي تبادل الوقود، بعد ان بلغها أن الولاياتالمتحدة تريد الخروج من هذه الازمة والحفاظ علي ماء الوجه. ولكن الاميركيين امتنعوا من اعطاء ايران ضمانات طالبت بها في اجتماع فيينا، وأعلنوا رفضهم الجلوس علي طاولة مفاوضات مع ايران. فردت طهران بخطوات استراتيجية غيرت قواعد اللعبة. 1- مواصلة تخصيب اليورانيوم، وزيادة كمية اليورانيوم المخصب الي اكثر من 2000 كلغ، وتبديد احلام الدول الغربية بانتزاع اليورانيوم المخصب من ايران. 2- ردت طهران رداً حازماً علي بيان مجلس حكام وكالة الطاقة الذرية الدولية، وأماطت اللثام عن منشأة فردو النووية، وأعلنت رغبتها في انشاء 10 منشآت نووية جديدة. 3- رفع مستوى تخصيب اليورانيوم الى 20 في المئة. وإذا علّقت ايران التخصيب، فلن تخسر المعرفة النووية التي حصلتها. 4 – همّشت ايران ورقة اليورانيوم المخفض التخصيب بنسبة 3.5 في المئة، وصارت هذه الورقة ثانوية في المفاوضات. وعليه، مُنيت الدول الغربية بهزيمة استراتيجية، ولم يبقَ امامها الا خيار «المقاطعة الاقتصادية»، وحض البرازيل وتركيا على مباشرة وساطة مع ايران لمساعدة الولاياتالمتحدة علي تذليل العقدة الايرانية «يدوياً»، بعد أن فشل حلها من «طريق الاسنان». وترى تركيا والبرازيل انهما قد تواجهان ما تواجهه ايران، في المستقبل. فحاولت الدولتان ولوج باب السياسة الدولية وعالم الوساطات، ومقارعة هيمنة دول الشمال على العلاقات الدولية. وفاجأت ايران الدول الغربية، واصابتها بالارباك، جراء ابرام «اتفاق طهران»، في وقت كان الاميركيون يقولون انها تسعى في تقطيع الوقت الضائع، ولا ترغب في اتفاق. وأثبتت طهران أن برنامجها الايراني لا يتهدد الامن العالمي، على ما تزعم أميركا. فالاتفاق دليل على ان البرنامج النووي الايراني تجاري و «شفاف»، وأن الولاياتالمتحدة هي جزء من المشكلة، على خلاف زعم بعضهم أن الازمات الدولية لا تحل في معزل من الأميركيين. ولعل أكثر ما بعث الازعاج في واشنطن هو نص «اتفاق طهران» علي ضرورة تسلم ايران موافقة رسمية علي بنوده، قبل التبادل. والموافقة هذه هي صنو الموافقة علي تخصيب ايران اليورانيوم. ولم يُلزم الاتفاق هذا ايران وقف انشطتها النووية، ولم تتراجع الجمهورية الاسلامية قيد أنملة عن خطوطها الحمراء. والاتفاق التزم اقتراح الوكالة الدولية السابق التبادل التزاماً كاملاً. وابرام الاتفاق أماط اللثام عن افتقار الولاياتالمتحدة الى الصدق في علاقتها بتركيا والبرازيل والوكالة الدولية، وأبرز صدق طهران. فالولاياتالمتحدة لم ترغب في ابرام صفقة تبادل الوقود، بل أرادت افراغ المخازن الايرانية من اليورانيوم المخصب. وطهران كانت مصيبة حين قالت أن أوباما وسلفه بوش سيّان، ووجهان لعملة واحدة. وما يبعث على العجب هو محاولة الولاياتالمتحدة حمل ايران على تقديم تنازلات في اجتماع فيينا، متجاهلة رفض «اتفاق طهران» تعليق انشطة التخصيب. ولم يخرج اليورانيوم الايراني بَعد من الاراضي الايرانية. وإذا أصدر مجلس الامن قراراً جديداً، وسع طهران التراجع عن اتفاق تبادل الوقود، وكشف المراوغة الاميركية أمام المجتمع الدولي، وإطاحة الخيارات الاميركية. واذا كانت الولاياتالمتحدة ترغب في الركض في أروقة متاهة مغلقة، فإيران ترحب بهذه الرياضة الممتعة. * معلق، عن «كيهان» الايرانية، 22/5/2010، اعداد محمد صالح صدقيان