قبل أقل من شهر على ذكرى 12 حزيران (يونيو) الماضي، وهي ذكرى انتخاب احمدي نجاد الى ولاية ثانية وانطلاق موجة الاحتجاجات على نتائج الانتخابات الرئاسية، فرضت الحكومة قيوداً جديدة على حرية التعبير لقطع الطريق أمام تظاهرات جديدة. وحُظرت أنشطة معظم الأحزاب السياسية المرتبطة بالحركة «الخضراء» المعارضة، وأغلقت نحو 20 صحيفة إصلاحية، واعتقلت نحو 80 صحافياً وأصدرت أحكاماً بالسجن أعواماً طويلة على عدد منهم. واستأنفت السلطات الإيرانية عمليات إعدام المعارضين، وأعدمت خمسة منهم في التاسع من الشهر الجاري. ولكن القمع وكمّ الأفواه لم يثنِ المعارضة عن مواصلة الاحتجاج وإعلاء صوتها. «فالحكومة توسلت قدراتها الكبيرة، وأغلقت منافذ ايران على العالم. ولكن الحركة الخضراء، وهي حادثة إعلامية بارزة، أنشأت منبراً أخضر على شبكة الإنترنت»، على قول موقع «راهيسابز» الإصلاحي. ودعت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، الى إدراج بند «حرية الاتصال (بالشبكة)» في شرعة حقوق الإنسان. ويحظر على مزودي الإنترنت الإيرانيين دخول عدد كبير من المواقع الأجنبية، ومنها مواقع وسائل الإعلام الأجنبية، والمنظمات غير الحكومية، والمعارضين في الخارج. ويعيد هؤلاء توجيه زائري العناوين المحظورة الى مواقع حكومية، ويحاولون وقف خدمة بريد «جي مايل» الإلكترونية التي يتولاها ل «غوغل». ووضعت جمعيات تدافع عن حرية التعبير وأجهزة غربية حكومية في متناول الإيرانيين مجموعة من ال «بروكسيز»، وهي شبكات الكترونية موقتة ومتحركة مرتبطة بخادم بديل ومحطات الكترونية هي جسر المتصفحين الإيرانيين الى الالتفاف على الرقابة. ويستخدم، يومياً، عشرات آلاف الإيرانيين ال «بروكسيز» هذه. ويوفر مشروع «تور» أكثر شبكات ال «بروكسيز» أماناً. فهو يخفي بصمات الأجهزة المتصلة به، ويُعدلها. ويسدل غطاء الإغفال على اصحابها المتصلين بالشبكة، والمتحايلين على الرقابة. ويفترض استخدام «بروكسيز» تحميل برنامج خاص نسختُه الإيرانية مجانية. وتشرف على مشروع تور مجموعة من القراصنة الأميركيين والأوروبيين الشماليين، وهم فوضويون أو مناوئون للعولمة. وعلى رغم ميولهم هذه، يسعون في تمويل الحكومة الأميركية بعض أنشطتهم من طريق راديو «فويس أوف اميركا» (راديو صوت أميركا) ومختبرات أبحاث البحرية الأميركية. ويتلقى «تور» مساعدات منظمات غير حكومية تمولها الحكومات الأوروبية والحكومة الأميركية، وتسعى في مؤازرة وسائل الإعلام في دول العالم الثالث. وثمة أنواع أخرى من ال «بروكسيز» لا يفترض استخدامها تحميل برنامج ما، ولكنها لا توفر غطاء آمناً لمستخدميها. وأنشأت «بروكسي فريغايت» مجموعة من المناضلين السياسيين مقربة من جماعة «فا لون غونغ» الصينية المعارضة. وعدد كبير من الإيرانيين وقعوا على ال «بروكسي» هذا، ويستخدمونه يومياً. وشبكة «بسيفون» البديلة، وهي ثمرة مشروع تعاون بين جامعات كامبريج وهارفرد وتورونتو، أرست بنية تحتية تقنية تبيح استقبال اعداد ضخمة من الوصلات والمتصلين. ومن أبرز زبائنها «بي بي سي» و «فويس اوف اميركا» اللتان لجأتا الى الإنترنت لبلوغ جمهورهما في ايران، اثر التشويش على بثهما. وأبرمت «بسيفون»، وتعود ملكيتها الى شركة خاصة، عقوداً مع منظمات غير حكومية كبيرة، وتتلقى مساعدات مالية من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي. وهي أطلقت، أخيراً، حملة ترويج الكترونية بالفارسية. وارتقى الالتفاف على الرقابة الإلكترونية الى قطاع أعمال مزدهر. فثمة شبكات افتراضية خاصة غير مجانية أنشئت، في أول الأمر، لخدمة الشركات الخاصة. وصارت تستقطب، اليوم، زبائن من دول تصادر الحريات وتحكم قبضة الرقابة. وعلى رغم احتدام المنافسة بينها، نجحت شركات «البروكسيز» التجارية والجمعيات والمنظمات الملتزمة حرية التعبير، في ابرام تحالفات، وإنشاء مواقع معلومات مشتركة، منها موقع «سيساوي. نت» www.sesawe.net . وعندما ترصد السلطات الإيرانية عناوين خوادم «بروكسيز» تسارع الى حظرها. وانتهى الغربيون الى حيلة لمساعدة الإيرانيين على تخطي الرقابة وتجاوزها. فيتولى صحافيون ناطقون بالفارسية، عاملون في «بي بي سي» و «فويس اوف اميركا»، اذاعة عناوين «بروكسيز» جديدة و «طازجة» وصالحة للاستخدام بضعة أيام قبل رصدها والحجر عليها بستار الرقابة. وبعض المنظمات الغربية ترسل مثل هذه العناوين الى مراسليها الإيرانيين عبر البريد أو ساحات الدردشة الإلكترونية أو «تويتر». وبادرت المنظمات هذه الى ترجمة برامج الكترونية مجانية الى الفارسية توفر تعليمات بسيطة عن سبل انشاء مواقع معلومات بصرية أو سمعية على الإنترنت. ولكن الحكومة الإيرانية لم تألُ جهداً في سبيل صد محاولات الإفلات من قبضة رقابتها. فاستعانت بمجموعة من القراصنة الإلكترونيين المقربين من النظام تطلق على نفسها اسم «جيش ايران الرقمي». وشن الجيش هذا هجمات على خوادم غربية تستقبل مواقع الإيرانيين المعارضين. وأفلح في تشويش عمل الخوادم هذه وعرقلته. وفي بعض الأحوال، سيطر الجيش هذا على الخوادم بضع ساعات. وإثر الهجمات، عدلت بعض الشركات التجارية عن استضافة مواقع المعارضة الإيرانية. ورأت أنهم زبائن «مزعجون». فلجأ المعارضون الإيرانيون الى ملاذ المواقع المجانية الآمنة. *صحافي، عن «لو موند» الفرنسية، 14/5/2010، اعداد منال نحاس.