يقود اليمين الإسرائيلي حملة واسعة لمنع الافراج عن الدفعة الرابعة من الاسرى الفلسطينيين، وخاصة فلسطينيي ال 48 منهم، بدعوى أنهم مواطنين اسرائيليين ولا يحق للسلطة الفلسطينية أن تطالب بهم. ومع ذلك لا تهدف هذه الحملة بالضرورة إلى الغاء هذا الاتفاق أو تأجيله، بل تدل المؤشرات على أن النوايا الاسرائيلية تهدف الى نزع مكتسبات تنفيذ الالتزامات والافراج عن الأسرى. ويسيطر قلق على قادة اليمين النافذين ما يدفعهم إلى بلورة صفقة جديدة مقابلة عملية الافراج تضمن لهم انجازات "جدّية" ترضي جمهورهم. ويدخل إلى معدّي هذه الصفقة نائب وزير الدفاع، داني دانون، الذي أعلن انه أبلغ رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، انه "لن يبقى في الحكومة ليوم واحد في حال تم الافراج عن اسرى فلسطينيين، خاصة من فلسطينيي 48". ولا يقتصر إعلان دانون، كغيره من قادة اليمين، على هذا الجانب من التهديد بل يرفقه بموقف يشكّل شرطاً لنتانياهو أو مقدّمة تبرّر بقاءه في الحكومة، إذا تمّ الافراج عن الأسرى الفلسطينيين"، وردّا على سؤال عن احتمال تغيير موقفه إذا ما وافقت الإدارة الأميركية على الافراج عن الجاسوس الاسرائيلي، جوناتان بولارد، قال: "لكل حادث حديث". ويبدو أن القضية، تشكّل مادة "مزايدة" حقيقية بالنسبة للمسؤولين الاسرائيليين، فرفضت رئيسة لجنة الداخلية في الكنيست، ميري ريغف (وهي من حزب الليكود)، الموافقة على تمديد فترة المفاوضات مقابل تجميد الاستيطان، مستقطبة اليمين واليمين المتطرف، وطالبت باطلاق سراح اسرائيليين من الذين يمضون محكوميتهم بالسجن بسبب ممارسات إرهابية نفذوها ضد الفلسطينيين. وذهب الوزير نفتالي بينت إلى أبعد من ذلك، رابطاً موافقته على عملية بطرحها للتصويت داخل الحزب. وحذّر الوزير عوزي لانداو من أن "الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية على المحك، وبانتظار اختبار نوايا رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس"، مضيفاً "إذا أصرّ أبو مازن على رفضها فهو لا ينوي التنازل عن أي شيء". وفي وقت ارتفعت قضية الافراج عن اسرى فلسطينيين الى رأس اولوية الشخصيات والاحزاب السياسية، خرجت أصوات تحذّر من خطر فشل المفاوضات، وفي محاولة للتقدم في مفاوضات السلام قررت مجموعة من السياسيين التوجه برسالة خاصة الى وزراء الخارجية العرب مطالبين بتدخل اقليمي في عملية السلام بين اسرائيل ودول الجوار. وزاد تصريح رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، الذي أكّد انه سينظر بهدوء وصبر في إمكانية الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، من ضبابية المشهد بعد قوله: "لا أعرف ماذا سيحدث، قد لا يكون هناك أي شيء وقد يكون هناك شيء غير متوقع ومفاجئ بشأن الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين". وأعاد حديث نتانياهو النقاش الى السؤال الرئيسي الذي طالما طرحه الاسرائيليون: كيف يخرج الجميع تقريباً راضين بعد الكلام معه، ليتبيّن في وقت لاحق خلاف ذلك؟ المدير العام السابق لمكتب رئيس الحكومة، في فترة اسحق رابين، ايتان هابر، يستهل ردّه على السؤال بطريقة تهكّمية: "من تيمبوكتو إلى كاماتشتكا، ومن الهند إلى أثيوبيا، هناك من يجلس يومياً "يُصدّعون رؤوسهم"، وهم يفكّرون بما يريده رئيس وزراء اسرائيل، والى أين يسعى أن يصل؟. ويضيف: "في جميع أروقة السلطة يدركون منذ زمن أن في دولة اسرائيل الديموقراطية انسان واحد فقط صاحب قرار، لكنّه حدث له في السنوات الأخيرة وربما حدث لنا أيضاً خللاً". ويستدرك: "لم يعد الجهاز في اسرائيل يقف صامتاً ولم يعد يردد "آمين" لكل فعل واخفاق منه". ويعتبر هابر، أن نتانياهو يريد أن يكون رئيس دولة يهودية ولا يريد أن يحكم ملايين الفلسطينيين. وأن حلمه يشبه "خطة ألون" (الذي اقترح اقامة كيان فلسطيني مستقل وليس دولة، على ان تحتفظ اسرائيل بغور الأردنوالقدسالشرقية ورؤوس الجبال)، مع بعض التعديلات التي تناسب المرحلة. ويقول هابر "نتانياهو سيقول نعم للضغوطات الاميركية إذا وجد أمامه أناس عظام مع قرارات عظيمة، وحينها سيتخذ بدوره قرارات عظيمة". ويتفق هابر مع محلّلين وخبراء أن نتانياهو يريد استغلال "المعركة الأخيرة أمام الولاياتالمتحدة والفلسطينيين ليخرج رابحاً ومتفوقاً على المستوى السياسي بما يضمن بقاءه على كرسي رئاسة الحكومة". وينقل هابر عن نتانياهو قوله "كلهم أبطال على حسابي"، ويضيف:" لقد خبِر نتانياهو خسارة لاذعة في الانتخابات، ولا ينوي أن يعود إلى الصقيع السياسي. وهو ينظر إلى رئيس الحكومة السابق ايهود أولمرت، الذي أُسقِطت عنه كل حماية". ويعتبر هابر أن نتانياهو يحاول دخول التاريخ، كسابقيه من رؤساء الحكومات الاسرائيلية، مناحيم بيغن وإيهود أولمرت وإيهود باراك وإسحق رابين، ويستدرك: "أصبح نتانياهو في ولاية ثالثة، ولم يُسجّل باسمه أي انجاز أو حادثة مهمة في التاريخ"، معتبراً أنه ينظر في حسد شديد إلى زعيمين لم يكونا جنرالين وسيدخلان التاريخ لأنهما أمرا بقصف منشآت ذرّية في العراق وسورية، ويسعى ليكون الثالث في القائمة و"أن يخلّص الدولة من خطر فظيع". وينهي هابر كلامه، بنفس اللغة التهكمية التي بدأ فيها حديثه: "نتانياهو شخص ذو وعي تاريخي يحتاج إلى صورة نصر. ولذلك هو شديد التمسك بالقضية الايرانية وأنه لم يكن ليتورّع عن الهجوم على المنشآت الذرية الايرانية لو تيقّن أنه سينجح". ويضيف: "لكن لا أحد مستعد أن يمنحه شهادة تأمين في هذا الشأن، وهو يرى نفسه زعيماً حذراً". ويخلص هابر: "يغوص نتانياهو في هذه المرحلة تحت الماء، مردّداً لنفسه وللإسرائيليين وللعالم، لازمة الأغنية، "دولة صغيرة تُفلت من أزمة"، وهو يُفلت وتُفلت الدولة على إثره. في الوقت الذي ينتظر الجميع طائرات الشبح أن تقوم بالعمل بيد أنها ما زالت تتهرّب".