سألني السياسي العراقي عن السؤال الاهم الذي سأطرحه خلال الحوار معه. أجبت: «مستقبل العراق بعد الانسحاب الاميركي فمستقبل هذا البلد يعني ابناءه والعرب والمنطقة». ابتسم وقال: «هذا سؤال صعب لأن مستقبلنا قد يكون اسوأ من حاضرنا وماضينا معا. اذا تحدثت باسمي سأجيبك بعبارات ديبلوماسية بحكم موقعي ودوري. اذا اعفيتني من ذكر الاسم انا مستعد لتسمية الاشياء باسمائها واعتقد ان ذلك اكثر فائدة لقرائكم». لا يحب الصحافي عادة غياب اسم المتحدث لكن الصفقة اغرتني وقبلت. قال: «مرحلة الاحتلال الاميركي للعراق انتهت عمليا. قرار ادارة باراك اوباما الانسحاب جدي تماما. ومرحلة استنزاف القوات الاميركية في العراق متوقفة عمليا ولاسباب كثيرة. لم يعد الاحتلال هو المشكلة. اننا نتجه الى ماهو اخطر. الى معركة كبرى يمكن وضعها تحت عنوان الصراع على العراق». واضاف: «الصراع على العراق يجري على مستويين: صراع داخلي على مستقبل البلد بين مكوناته الرئيسية وهم الشيعة والسنة والاكراد. وصراع اقليمي محموم على العراق بين الدول المجاورة والدول البارزة في الاقليم من دون ان ننسى الاهتمام الدولي بالعراق بسبب ثروته وموقعه». وقال: «ما يجعل الازمة المتعلقة بتشكيل الحكومة خطيرة هو كونها غير منفصلة عن الصراع على العراق الذي انطلق والمرشح لفصول اكثر احتداما. العلاقات الشيعية - السنية في العراق سيئة فعلا. لنزاعاتنا جذور تاريخية عميقة. نزاعاتكم في لبنان أقل عمقاً وقسوة». وتابع: «الشيعة ليسوا في وارد التنازل عما يعتبروه انصافاً وانتصاراً، اي عن المعادلة التي قامت غداة سقوط نظام صدام حسين. يتخوفون من ان تؤدي ادوار اقليمية ودولية الى اعادة تصحيح المعادلة وخفض حجم انتصارهم. السنة ليسوا في وارد القبول بهذه المعادلة واحتجاجهم واضح سواء عبر العمل العسكري او الانتخابات. بعد سقوط النظام ارتكبت قوى من الجانبين ممارسات مشينة (تهجير وتفجير واغتيالات) وليس صحيحا ان كل الارتكابات نفذها من جاؤوا من الخارج. لسنا في اوروبا لنحل النزاعات عبر صناديق الاقتراع. هذا العراق. وضعه شديد التعقيد. ما اخشاه هو التسابق على اقتطاع القسم الاكبر من الكعكة خصوصاً بعد انسحاب الاميركيين. والطلاق لايمكن ان يكون الا داميا». ورأى ان الصراع الداخلي على العراق يرافقه صراع اقليمي شديد عليه يصب النار على زيته المشتعل اصلا. قال: «يمكن القول ان اللاعب الاميركي ابتعد مع مجيء اوباما عن اللعبة الداخلية. اخذ مسافة وتراجع وزنه وثقله. ويمكن القول ايضا ان ايران هي اللاعب الخارجي الاول على الساحة العراقية. تتصرف ايران انطلاقا من قناعتها بأن معركة مستقبل المنطقة تدور على ارض العراق. التوازنات الجديدة واحجام الادوار وملامح المنطقة وحضور الدول الكبرى في مصالحها وقرارها. تركيا ادركت اهمية المعركة ودخلت ميدان التنافس بالاستثمار والسياسة والديبلوماسية والوساطات. سورية المجاورة يمكن ان يكون لها تأثير. علاقاتها بإيران وتركيا يمكن ان تساعدها كما يمكن من جهة اخرى ان تقيدها». ولاحظ : «ان العرب تأخروا في نفض ايديهم من نظام صدام حسين وتأخروا في العودة الى العراق بعد سقوطه. سيتمكنون من ممارسة تأثير ما اذا نجحوا في التنسيق مع تركيا لرسم مظلة اقليمية تضبط الدور الايراني على ارض العراق». كرر السياسي مرات عدة القول «انها معركة كبرى»، ملاحظاً انها اهم واخطر بكثير من «الصراع على لبنان» الذي شهدناه في سنوات ماضية. ولفت الى ان العراق يخطط لانتاج ستة ملايين برميل من النفط يوميا في السنوات المقبلة. وقال: «اذا نجحت ايران في الحاقه بسياستها هذا يعني الكثير نفطياً وسياسياً وبالنسبة الى استقرار المنطقة. بعض العراقيين سيقاوم أي وصاية ايرانية على العراق. وبعض العراقيين سيقاوم اي محاولة لابعاد العراق عن ايران. والخوف ان ينتهي الصراع على العراق بضياع العراق».