بالأمس كانت هنا منازل عامرة بأهلها، واقدة نارها ومزهية أسوارها، عريقة بماضيها وعتيدة بكبرائها، واليوم وقد هجرها شبانها لم يبق فيها سوى الطاعنين في السن والعجزة القاعدين غير القادرين على تحريك شفاههم فضلاً عن حركة أرجلهم أو المشي على أقدامهم. تلك هي «دغيبجة» الواقعة على بعد 36 كيلو متراً من طريق (الحجاز - الرياض) شمالاً و200 كيلو متر من محافظة الطائف، تلك القرية الوادعة التي عمرت قبل ما يقرب ال50 عاماً، سابقة مجموعة القرى المجاورة في تأهيلها السكاني والمعماري اليوم، بيد أنها لم تحظ بالخدمات الضرورية المساعدة على الانسجام في الحياة ومتطلباتها، ولم تواكب الركب في التطور، لا بل إن عمر شبانها الافتراضي للبقاء فيها هو آخر فصول المرحلة الابتدائية، ومن ثم تبدأ رحلة العناء والشقاء في الذهاب إلى المراكز المجاورة لإكمال تعليمهم المتوسط والثانوي، الذي لم يكن بالأمر السهل إذ يتطلب الكثير من الجهد لعدم توافر مدارس متوسطة وثانوية للبنين فيها وبُعد تلك المراكز عنهم. غياب المدارس لم يكن وحده المعضلة التي تؤرق سكان دغيبجة وتجعلهم يشدون الرحال إلى القرى والمدن المجاورة بل إن عدم وجود مركز صحي في البلدة التي بدأت تتسع وتكبر يوماً إثر يوم ظل هو المطلب الموازي لحاجتها للمدارس، وعلى رغم أن الأهالي طالبوا مراراً وتكراراً بإيجاد مركز يداوي لو القليل مما يصيب مرضاهم، تم على إثر ذلك منح قطعة أرض لإنشائه في القرية على مساحة 10 آلاف متر مربع وتم تحديد الموقع وصلاحيته. وأظهرت نتائج اللجان في حينه صلاحية الأرض وانطباق جميع الشروط عليها، كان آخرها مخاطبة وزير الصحة آنذاك حمد عبدالله المانع لوزير الشؤون البلدية والقروية الأمير متعب بن عبدالعزيز، بخصوص طلب وزارة الصحة منحها قطعة الأرض لصالح المركز لإدراجها ضمن خطط الوزارة ومشاريعها لتخصيص الموقع لإقامة مركز صحي بدغيبجة، ثم وقفت اللجان المشكلة على الأرض الممنوحة لوزارة الصحة عام 1426وقررت الموافقة على ذلك، بانتظار موافقة وزارة الشؤون البلدية والقروية على إفراغ الأرض لصالح وزارة الصحة لإقامة مشروع المركز الصحي عليها. ولازال الأهالي يتجرعون مرارة الانتظار في وجود مركز صحي في البلدة، وكان لذلك الأثر الكبير في شد أهالي دغيبجة الرحال إلى المراكز المجاورة بغية اتخاذها موطناً بديلاً لموطنهم الذي ألفته قلوبهم وشهد صرخة ميلادهم. أحد سكان دغيبجة كريم حسين السميري قال ل «الحياة»: «لقد ملنا الصبر ومللناه، وفقدنا الأمل في إيجاد المركز الصحي الذي بدأ السعي في إنشائه منذ العام 1426. ويشاطره الرأي، المواطن حسين سجدي السميري وهو يقول: «فقدنا الأمل في أن تحظى دغيبجة بمركز صحي، وعلى رغم أن الأرض موجودة لإقامة المشروع عليها، وهذا ما جعلنا في حيرة من أمرنا وسبب لنا الإحباط واليأس. فيما أبدى سعود حلمي السميري استغرابه، هل يعقل أن ننتظر طيلة هذه السنين؟ لكن يحدونا الأمل في مركز صحي خصصت له أرض؟». من جهته، قال المواطن سجدي السميري: «مللنا من الذهاب إلى المراكز المجاورة بسبب انعدام مركز صحي في البلدة التي يوماً بعد يوم يمضي أهلها في النزوح إلى المراكز والقرى المجاورة لا لسبب سوى انعدام الخدمات الصحية الضرورية لكل مواطن على هذه الأرض الطاهرة». وأضاف: «نحن في حيرة من أمرنا ولا نعلم ما هي الأسباب التي تمنع إنشاء مركز صحي على رغم أن الأرض موجودة».