تبدو العلاقة بين النساء في السعودية وسيارات الأجرة معقدة وغالباً ما تتصف بعدم الثقة لأسباب كثيرة بعضها قد يبدو منطقياً. فسيارات الأجرة التي تنتشر في مدن رئيسية لا يتجاوز عددها اليد الواحدة، وما زال يقود معظمها أجانب من شبه القارة الهندية، على رغم صدور قرار حكومي بسعودة «قطاع سيارات الأجرة» قبل أكثر من ست سنوات لأسباب أمنية واجتماعية. إلا أن هذا القرار لم يطبق على أرض الواقع وأرجئ تنفيذه إلى أجل غير مسمى. ويستند المطالبون بتنفيذ هذا القرار إلى قصص مفزعة، منها ان سائقاً درج على تخدير النساء اللواتي يقلهن من المجمعات التجارية، ومن ثم الذهاب بهن إلى منزل في حي شعبي وسط الرياض، وتصويرهن في أوضاع فاضحة، ومن ثم ابتزازهن. ودهمت الأجهزة الأمنية حينها، المنزل وعثرت على صور وأفلام لنساء في أوضاع فاضحة. وبتجاوز هذه «المخاوف»، يمكن القول إن الاعتماد على سيارات الأجرة في السعودية في شكل كامل أمر نادر جداً لأسباب كثيرة أبرزها أن الكلفة الشهرية للتنقلات بسيارات الأجرة مرتفعة، وتوازي في بعض الحالات القسط الشهري لسيارة فخمة. لذا، تلجأ أسر كثيرة في هذا البلد الذي يمنع قيادة المرأة إلى السائقين، وهو ما يفسر استقدام السعودية، خلال عام 2007 فقط، مليون عامل وعاملة منزلية، نسبة كبيرة منهم لقيادة السيارات. وعلى رغم أن مشهد مئات الألوف من السائقين الذين يسكنون المنازل السعودية يشي بالثقة بهم، ألا أن كثيراً من الأسر ما زالت ترفض أن تذهب ابنتها وحدها مع السائق خصوصاً إذا كانت في سن المراهقة، وغالباً ما تتعمد الأم مرافقتها أو إرسال أخيها الصغير، وفي أسوأ الحالات قد تترك الخادمة ترافقها. ولهذا تتعمد بعض الأسر، استقدام خادمة وزوجها ليعمل الأخير سائقاً، وتلازمه الأولى حيثما ذهب، إذا كانت برفقته إحدى بنات العائلة. وظهرت خلال السنوات الأخيرة مؤسسات خاصة، توفر سيارات عائلية تؤجر بالساعة مع سائقها لخدمة النساء تحديداً، وهي أكثر أماناً من سيارات «الأجرة» التي غالباً ما تكون «الأنثى» داخلها ضحية لمضايقات المراهقين والمعاكسين. وتقول فاطمة عبدالله (24 سنة)، وهي موظفة في مصرف: «اللجوء إلى سيارات الأجرة ليس من ضمن خياراتي أبداً، وأجد راحتي مع أصحاب السيارات الخاصة التي تملكها مؤسسات تجارية»، موضحة أن هذه السيارات «عائلية وزجاجها مغطى ما يوفر خصوصية لمن في داخلها». وتضيف: «مشواري من المنزل إلى العمل يتكفل به أخوتي، أما الأخرى إلى الأسواق أو المطاعم فأقضيها أحياناً بالاستعانة بسائق سيارة خاصة يكون زجاجها مظللاً ما يوفر لي الخصوصية». وتتابع: «أحرص على أن يكون السائق مجرباً، وكبيراً في السن، خصوصاً أننا في العطل الأسبوعية نبقى في المطاعم حتى ساعات الصباح». وتقول أم عبدالله، (37 سنة)، وهي سيدة مطلقة، منذ أكثر من 17 سنة: «تعبت من الاعتماد على سيارات الأجرة والسائقين لقضاء مشاويري أنا وابنتي وابني الذي ما أن بلغ 18 حتى عملت على إصدار رخصة قيادة له وشراء سيارة، مكنته من خدمتنا». وتعلق أمل، وهي سعودية وتعمل طبيبة في مستشفى حكومي في الرياض: «أظن أن الحل لهذه المشكلة هو السماح للنساء بقيادة السيارة، مع قانون واضح يتضمن عقوبات رادعة للمعاكسين». وتثير قضية قيادة المرأة للسيارة جدلاً واسعاً في السعودية بعد مبادرات خجولة باحتمالات السماح به. قالت أمل: «لا محاذير شرعية تمنع قيادة المرأة للسيارة، فأهل الأرياف والقرى وهم أكثر الفئات محافظة وتمسكاً بالتقاليد، لا يمنعون نساءهم من قيادة السيارة. فالمرأة التي يسافر زوجها شهوراً للعمل ويعود في الإجازات، تتولى هي خلال هذه الفترة إيصال أبنائها وبناتها إلى مدارسهم وقضاء حاجاتهم». وأضافت: «أملك رخصة دولية، وكنت أقود سيارتي خلال فترة دراستي في أميركا، لكنني مع هذا لن أقود السيارة هنا ولن أسمح كذلك لبناتي بهذا، طالما لم يسن قانون واضح لمعاقبة المعاكسين الذين تتفشى سلوكياتهم الفاضحة في الشوارع الرئيسية وعلى مرأى من سالكي الطريق». ويوضح عبد الرحمن وهو سائق سيارة أجرة سعودي: «أواجه مواقف طريفة وغريبة إذا أقليت فتيات، بسبب معاكسة الشباب لهن ما يجعلني أركز على قيادتي أكثر، وأحرص على إيصال من معي إلى مرادهن لأنني اعتبرهن أمانة أوكلت إلي». لكنه يستدرك قائلاً: «عندما تكون الفتيات يحترمن أنفسهن أهتم لأمرهن وأنهر المعاكسين. لكن عندما يتعمدن لفت الأنظار لا أهتم بشأنهن أبداً».