لم يبد رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون تجاوباً مع الجهود التي بذلها حليفه «حزب الله»، لإقناعه بالدخول في تحالف انتخابي في جزين مع النائب سمير عازار المنتمي الى كتلة «التنمية والتحرير» برئاسة الرئيس نبيه بري، وقرر خوض المعركة فيها منفرداً خلافاً للوضع في الدوائر الانتخابية التي تجمع قوى المعارضة الرئيسة في لوائح موحدة، ما يعني أن لائحته المؤلفة من المارونيين زياد أسود وميشال حلو والكاثوليكي عصام صوايا ستواجه لائحتين: الاولى تضم، إضافة الى عازار، النائب انطوان خوري والمرشح الماروني كميل فريد سرحال، والثانية مدعومة من الأكثرية ويتزعمها النائب السابق إدمون رزق، إضافة الى إصرار عدد من المرشحين على عدم الانسحاب من المعركة، خصوصاً الذين يترشحون للمرة الأولى في نادي المرشحين. ومع أن بري لم يفاجأ أمس بدخول أحد نواب كتلته الى مكتبه في حضور عدد من النواب ليبلغه أن عون أعلن أسماء مرشحيه في جزين واكتفى بالتعليق: «فلتكن معركة تسيطر عليها المنافسة الديموقراطية»، فإن معظم المواكبين للوساطة التي قام بها «حزب الله» ممثلاً بالمعاون السياسي لأمينه العام حسين خليل بين حليفيه كانوا على قناعة بأن عون لن يستجيب لدعوة الحزب للائتلاف في جزين وعدم الانجرار الى مغامرة من شأنها، وبغض النظر عن النتائج، أن تهز العلاقة بين قوتين أساسيتين في المعارضة. وفي هذا السياق علمت «الحياة» أن الحزب، وإن كان يراعي عون وفاء منه لمواقفه في حرب تموز (يوليو) 2006، ويحرص على تمرير رسالة للقوى المسيحية الأخرى بأنه يضحي من أجل الذين يقفون الى جانبه، فإنه في المقابل كان يراهن على أن عون سيتفهم موقف الحزب ويبادر الى التجاوب مع وساطته. وبحسب المعلومات فإن الحزب لم يكن يتوقع من حليفه أن يقلب الطاولة رأساً على عقب ويسارع الى التجاوب مع وساطته لا سيما ان الحزب لا يريد أن يوضع بين خيارين أحلاهما مر. وكان الحزب يعتقد، بأن عون سيطوي صفحة التباين في جزين لمصلحة الائتلاف مع عازار على أن يتخذ موقفه قبل الأحد المقبل موعد اعلان بري البرنامج السياسي لكتلة «التنمية والتحرير» فيفوت الفرصة على تراجع الحماسة الشيعية لمرشحي «التيار الوطني» في الدوائر الانتخابية وتحديداً في زحلة وجبيل والبقاع الغربي والمتن الشمالي، مع أن المعاون السياسي لبري، النائب في «أمل» علي حسن خليل أراد تطويق تداعيات المواجهة مع عون في جزين بقوله: «نحن متفقون في الموقف السياسي والانتخابي العام وسنبقى معاً متحالفين في كل الدوائر الأخرى ومتحالفين في السياسة في إطار المعارضة ولن يؤثر تنظيم آليات المعركة في جزين على هذا الموقف الثابت». كما أن قيادة «حزب الله» أخذت تسأل عن معنى إصرار عون على معركة مع بري في جزين، عندما تبلغت ليل الثلثاء الماضي - وبحسب المصادر عينها - من عون أن المفاوضات وصلت الى طريق مسدود من دون علمها بالأسباب. وأكدت المصادر نفسها أن بري تبلغ من قيادة الحزب ليل الثلثاء الماضي أن التوجه بسبب موقف عون يدفع باتجاه انقسام المعارضة على لائحتين، على رغم أن أوساطاً في «التيار الوطني» كانت تولت، بالتزامن مع انفراط الائتلاف، إشاعة أجواء تفاؤلية في شأن اقتراب موعد الإعلان عن التوافق في جزين واستمرار الاتصالات بين الجانبين، خلافاً لما يراهن عليه أطراف في الأكثرية. إلا أن مصادر بري رفضت التعليق على الأجواء التفاؤلية التي روج لها مقربون من عون معتبرة أن الجواب النهائي سيحمله إليه الوفد المكلف من الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصر الله. وكشفت المصادر أن بري، مع انه لم يتبلغ من قيادة الحزب أي إشارة تفاؤل، حرص على تبريد الأجواء وعدم الانجرار الى سجال مع عون، لعل الحزب ينجح في إقناعه بجدوى الائتلاف. حملة عونية على عازار وعزت المصادر المواكبة إصرار أوساط في «أمل» على عدم التعليق على ما يروج له «التيار الوطني» من تفاؤل الى أمرين: الأول إعطاء المزيد من الوقت للحزب لإنجاح وساطته، والثاني ينطلق من عدم تقديم عون كأنه ضحية، في ضوء المعلومات من جزين في شأن تنظيم مسؤولين في التيار حملة تحريضية ضد عازار واتهام أنصاره بأنهم يقودون حملات الاستفزاز ضد عون. وتبين أن من يطلق الشائعات ضد عازار يتولى الترويج لها إعلامياً، «ناهيك بأن عازار منفتح على الجميع وبعيد عن تصنيف أهالي جزين أو إطلاق الحملات ضدهم إضافة الى أن محازبين لعون كانوا البادئين في حملات التحريض ضد عازار شخصياً ومن خلاله ضد بري على قاعدة ممنوع على الأخير التدخل في جزين وكأن عازار مفروض على أهالي المنطقة». كما أن محازبين لعون سعوا منذ أسابيع الى الترويج لإشاعات بأن «الجنرال» هو الأقدر في الاستقواء على حلفائه ومنعهم من التدخل في جزين على رغم أن عازار من وجهة نظر أهالي المنطقة ليس دخيلاً عليهم، ويتمتع بتأييد وحضور لافتين في المدينة والجوار. إضافة الى أنه ظل «صامتاً» في وجه الحملات. وقرر عازار عدم الانجرار الى حملات التحريض لأنه ضد الانقسام في المنطقة مع أن عون يتخذ موقفاً شخصياً منه لم يتمكن «حزب الله» من جلاء أسبابه. واعتبرت المصادر ان ما يشاع من قبل محازبي عون ينم عن موقف شخصي منه، بذريعة أن أنصار عازار يحملون عليه وأن عائلته تقود الحملات، إضافة الى مآخذ عون الشخصية عليه ومنها أنه لم يحشد أنصاره لاستقباله عندما زار جزين، ولم يطلب من رؤساء البلديات والمخاتير التوجه الى الرابية لتهنئته بحلول الأعياد، أو يبادر الى تأييد مواقفه. وفي تقدير هذه المصادر أن عون «حشر الحزب في موقع لا يتمناه عندما قرر الخروج على الائتلاف لأن أي فوز لأحدهما على الآخر سيكون خسارة للحزب الذي يتطلع الى توحيد المعارضة وعدم ترك أي ثغرة تتسلل منها الأكثرية للإيقاع بين حلفائه». فالحزب في هذه الحال يواجه أكثر من إحراج، «ليس في اضطراره الى توزيع الاقتراع في شكل متوازن على اللائحتين فحسب، وإنما في تطويق مضاعفات الاختلاف بين حليفين رئيسين له، في ظل حساسية عون المفرطة تجاه بري على خلفية علاقته برئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط التي لا يعرف حدودها وباتت تقلقه، خصوصاً أن بري لا يدعم وجهة نظر عون الداعية الى التفرد في تشكيل الحكومة الجديدة في حال وصلت المعارضة بأكثرية الى البرلمان، ناهيك بأن بري لم يتحمس لانتخابه رئيساً للجمهورية ولا لعدد من مواقفه التي كان يرد عليها الأول على طريقته، عندما تزيد في تأزيم الاحتقان الداخلي. ويبقى السؤال: «هل يمكن لحزب الله أو لسواه أن يرعى تنظيم الاختلاف بين عون وعازار ومن خلاله بري في جزين وأن يضمن تطويق التداعيات الناجمة عن خوض الانتخابات على لائحتين؟»، إضافة الى سؤال آخر يتعلق بالأسباب التي تدفع عون الى الاستقواء على بري في وقت قدم بعض التنازلات لدى تشكيل اللوائح في عدد من الدوائر بخلاف قناعته والتعهدات التي أطلقها بأنه لن يتعاون مع بعض الجهات الحزبية. تنظيم الخلاف في الإجابة على السؤال لا بد من التذكير أولاً بأن عون تردد في بعض الدوائر عندما اختار المرشحين وعدل عن مواقف كان التزم بها وآخرها إبلاغ المرشح الماروني الذي تبناه على لائحته في جزين (ميشال حلو) بأن فرصة التعاون معه أخذت تتضاءل لأنه مضطر الى الائتلاف ثم يعود عن موقفه لأسباب ما زالت مجهولة مع أنها ليست سياسية. كما أن عون أصر قبل انفراط الائتلاف على اقتراحه القديم - الجديد برعايته للائحة غير مكتملة في جزين مؤلفة من اسود وصوايا في مقابل ترشح عازار منفرداً وكان رد بري أن من الأفضل تشكيل لائحة مكتملة لقطع الطريق على اهتزاز التحالف ولعدم إحداث إرباك يتيح لخصومها تسجيل اختراق في جزين. ولم يكن أمام عون إلا أن يبادر كما حصل أمس الى تشكيل لائحة مكتملة أملاً بأن تجري المنافسة بروح رياضية وطالباً بطريقة أو بأخرى من حليفه «حزب الله» أن يرعى تنظيم الاختلاف. على رغم أن الحزب لم يكن يعترض، لإنجاح الائتلاف في جزين، على تقديم جائزة ترضية ل «التيار الوطني» بموافقته على ترشح المسؤول فيه رمزي كنج عن المقعد الشيعي الثاني في بعبدا الى جانب مرشحه النائب علي عمار. والى أن يتمكن الحزب من استنباط الأفكار لرعاية للتنافس بين لائحة عون ولائحة عازار وحلفائه في جزين من دون تعريض العلاقة بين حليفيه الى انتكاسة يمكن أن تنعكس على تعاونهما في المستقبل، فإن المصادر المواكبة كشفت ل «الحياة» عن أبرز عناوين فك الاشتباك ومنها: - الامتناع عن الدخول في كل أشكال التحريض وتبادل الحملات. - تأكيد على وقف النار السياسي لتجنب المعركة بين عون وعازار ومن خلفه بري وعدم تنظيم أي منهما تحالفات انتخابية من تحت الطاولة، لا سيما مع اللائحة الثالثة أو شخصيات مدعومة من الأكثرية. - السعي لضمان عدم تراجع الحماسة الشيعية لجهة الاقتراع للمرشحين المنتمين الى «التيار الوطني» أو «تكتل التغيير» في الدوائر الأخرى. - الإصرار على الطابع الديموقراطي للمنافسة وألا تنسحب على الدوائر الأخرى وقطع الطريق على إفادة الأكثرية من المعركة في جزين وتوظيفها لتوسيع رقعة الاختلاف بين بري وعون. - تحضير الأجواء لبيان مشترك في الساعات المقبلة عن عون وعازار مدعوماً من بري وبرعاية مباشرة من «حزب الله» يجنب الآثار السلبية لمعركة جزين على التحالفات الانتخابية في الدوائر الأخرى. وقالت المصادر أن لا مشكلة في إصدار مثل هذا البيان لكن السؤال هو: «هل سيفعل فعله في تنظيم الاختلاف وفي استيعاب ردود الفعل في ضوء الاعتقاد السائد بأن وزير الاتصالات جبران باسيل كان يعني ما يقوله عندما أعلن قبل أيام من زيارة عون لجزين أن «التيار الوطني» بأنه يريد استرداد هذه المنطقة مع أنه عاد وتراجع عن موقفه في أعقاب زيارة مجاملة قام بها لبري؟ وبالتالي الى أي مدى سيحافظ على الانسجام السياسي وضمان عدم تعريض التحالفات الى خلط للأوراق أن يبدل قواعد اللعبة في ضوء شعور المصادر المواكبة بأن عون يبحث دائماً عن خصم له، وأنه اختار حليف حليفه - أي بري - منافساً له في ظل اعتقاده بعدم وجود خصوم من المنتمين الى الأكثرية؟».