تأخر إعلان الهيكلية التنظيمية الجديدة ل«دولة العراق الإسلامية» بعد مقتل قائديها أبو عمر البغدادي وأبو حمزة المهاجر بينما لم يتأخر إعلان خليفة لمؤسسها وزعيمها أبي مصعب الزرقاوي بعد مقتله في 7 حزيران (يونيو) 2006 أكثر من ثلاثة أيام، إذ خلفه نائبه أبو عبدالرحمن العراقي في قيادة تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين»، كما لم تتأخر خلافة الأخير حين قتل بعد ذلك بأيام قليلة في معارك الفلوجة، ليعلن سريعاً تولي أبي حمزة المهاجر يوم 15 حزيران من العام نفسه زعامة التنظيم في العراق، بينما ظل البغدادي رئيساً لمجلس «شورى المجاهدين»، وبعد ذلك أعلن الاثنان معاً تأسيس «دولة العراق الإسلامية» في 15 تشرين الأول (أكتوبر) 2006. ولكن أثبتت السنوات القليلة التالية تصاعد أزمة التنظيم ودولته التي لم تعد تواجه القوات الأميركية ولا قوات الشرطة فقط ولكن أيضاً مجالس الصحوات وبعض الفصائل الجهادية الأخرى، وهو ما يمكن وصفه بأزمة وجود حاول التنظيم الخروج منها بعد انهيار الصحوات أواخر العام الماضي، وأعلن خطته لاستعادة دولته أوائل عام 2010، ولكن استهداف ومقتل زعيميه البغدادي والمهاجر في التاسع عشر من نيسان (أبريل) الماضي كرس أزمته. تبرير التأخير ومحاولة إعادة الثقة ويكشف تأخر إعلان خلافة البغدادي والمهاجر قياساً لخلافة سلفيهما، نيفاً وعشرين يوماً هذه المرة، أزمة «القاعدة» في العراق، والتي حاولت إخفاءها عبر إعلان ثلاث قيادات جديدة لها، كخطوة لطمأنة أنصارها ومعلنة في بيان لها: «ذهب اثنان وأتى ثلاثة... إذا مات منا سيد قام سيد». بدأ مسلسل إعادة الثقة ولملمة الشتات مع إعلان وزير الحرب الجديد «الناصر لدين الله أبو سليمان» انطلاقة «غزوة الموحدين الجديدة»، ثأراً للزعيمين المقتولين في الثالث عشر من أيار، ثم إعلانه في بيان آخر بتاريخ السادس عشر من أيار «أن مجلس الشورى وأهل الحل والعقد وأمراء الولايات قد اجتمعت كلمتهم على بيعةِ الشّيخ المجاهد أبي بكر البغداديّ الحُسينيّ القرشيّ أميراً للمؤمنين بدولة العراق الإسلاميّة، وكذا على تولية الشيخ المجاهد أبي عبدالله الحَسنيّ القُرشيّ وزيراً أوّلاً ونائباً له» بحسب نص البيان. ولكن تباينت تبريرات التأخير بين البيانين ففي الأول حاول الناصر أبو سليمان الإعلان عن نفسه من خلال صولة الموحدين، مبرراً التأخير بأنه تقدير لحزن أنصار الدولة (يشار لهم بالأمة) على مصابهم في الزعيمين المقتولين! قائلاً: «لقد آثرنا أن لا نخاطبك بعد مُصابك في الشّيخين الأميرين الشّهيدين، إلا بكلماتٍ تحملُ إليك جميلَ البِشارةِ بعظيم الفِعال»، مؤكداً مسار التنظيم في طريقه ووحدته بين المهاجرين (أعضاؤه غير العراقيين) والأنصار (أعضاؤه العراقيين)، قائلاً: «إخوةً في الدّين مهاجرينَ وأنصاراً، لن تسمعي منهم بإذن الله إلا ما يشفي صدور المؤمنينَ ويُذهب غيضَ قلوبِ الثّكالى والمستضعفين، ولا يزيدك إلا عزةً ورِفعة بين الأمم»... فكأن كل شيء كان ممكناً وجاهزاً ولكن إعلانه جاء تقديراً لحزن أنصار التنظيم. وأتى البيان الثاني في 16 أيار بتبرير آخر يمكن وصفه بتحضيرات التنصيب وإجراءات التشاور، والصورة المتخيلة أو المروجة لمؤسسات دولة، التي توصف من قبل نقادها بأنها إنترنتية تتوقف بانقطاع التيار الكهربائي... فذكر البيان أن إعلان مجلس شورى هذه الدولة تسمية أميرها أبي بكر البغدادي ونائبه ووزيره الأول، أتى متأخراً نتيجة قدوم أمراء الولايات والقطاعات والتشاور بين أهل الحل والعقد وأعضاء مجلس الشورى، «حتى اجتمعت الكلمة على كل من أبي بكر البغدادي الحسيني القرشي وأبي عبدالله الحسني القرشي». أزمة الرمز الهيكلية الجديدة لدولة العراق الإسلامية تعكس توجهاً لترسيخ وضعية العنصر العراقي فيها، إغراء للأتباع وجذباً للطائفة السنية وتوافقاً مع انتقادات مستمرة للقاعدة في العراق، بغلبة العنصر غير العراقي عليها، منذ عهد الزرقاوي وخلفائه، وحتى في ظل قيادة أبي عمر البغدادي لها التي اعتبرها الكثيرون قيادة صورية بينما الإدارة الفعلية ظلت لأبي حمزة المهاجر أمير التنظيم في بلاد الرافدين. ففي الهيكلة الجديدة احتل العنصر العراقي إمارة المؤمنين في الدولة عبر أبي بكر البغدادي زعيم تنظيم «الطائفة المنصورة» السابق، ونائبه أبي عبدالله الحسني القرشي البغدادي كذلك، بينما بقيت وزارة الحرب - وربما زعامة تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين - للعنصر غير العراقي وهي للمغاربي الجنسية المنصور أبي سليمان. أزمة الرمز وفرصة الطائفية لم تُصب توقعات المراقبين التي سبقت إعلان القيادة الجديدة، فبينما ذهب بعضها الى إمكانية تعيين أبي محمد العراقي، زعيم كتائب أبي بكر الصديق، التي قتل زعيما القاعدة البغدادي والمهاجر أثناء اجتماعهما مع بعض أعضائها، أميراً للدولة، ذهب بعضها الآخر الى إمكانية تعيين أبي عبيدالله الشافعي زعيم أنصار الإسلام المعتقل منذ أوائل أيار أميراً لها، نظراً لسبقه وقدمه وسعياً لمحاولة دمج جماعته الكبيرة في تنظيم القاعدة وضمها لدولة العراق الإسلامية. لكن النتائج جاءت مغايرة، فليس معروفاً عن أبي بكر البغدادي الأمير الجديد سوى كونه كان منتمياً لإحدى المجموعات الصغيرة المكونة لدولة العراق الإسلامية، كما لم يكن عضواً في أي من تشكيلتيها الوزاريتين اللتين أعلنتهما هذه الدولة منذ إنشائها، وكذلك يظل نائبه مجهولاً. ولعل وصف بيان مجلس شورى الدولة كليهما ب «الحسيني» و «الحسني القرشي» محاولة لتسويقه عبر النسب الشريف والسيرة الجهادية، وهو ما قد يعكس من جانب آخر إصرار العنصر العراقي على التواجد في قيادة هذه الدولة التي تضم مكوناتها بجوار تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» ستة تنظيمات أخرى يغلب عليها العنصر العراقي. وعلى رغم اللغة القوية الظاهرة في بياني «القاعدة» الأخيرين، إلا أنهما يحملان في ملامح أزمتها في ما يتعلق بموقع كل من العراقيين وغير العراقيين في التنظيم، كما يعكسان في شكل أقوى أزمة الرمز داخل التنظيم.