كثر من زملاء عبد الإله (48 سنة) وأصدقائه باتوا يعتبرونه المرشح الأبرز لنيل لقب لَوِك (بفتح اللام وكسر الواو) وهو اللقب الذي سبق أن حازه رفيقه في المقيل، محمد علي. وينعت ب «اللتَتْ» أو «اللَوِك» كل شخص كثير الكلام رجلاً كان أم امرأة. ولئن رأى البعض في مجالس القات «هايد بارك اليمنيين»، نظراً الى ما يدور فيها من أحاديث تتوزع على مختلف الشؤون، بيد أن الواضح على مفهوم المقيل أنه بات فضاء ثرثرة بامتياز. وصارت عبارة «كلام مقايل» من مفردات القاموس السياسي والإعلامي، وتدل على الكلام غير المسؤول وغير القابل للتنفيذ. وأما «التفرطة»، التسمية التي تطلق على لقاء النساء لتخزين القات وتبادل الأحاديث، فتشير إلى معنى الثرثرة، والفعل فرط بمعني بدد. وعلى رغم انحصار وصف «التفرطة» في اجتماعات النساء، ينطبق تماماً على مقايل الذكور أيضاً. انفراط حبل الكلام على المكرور، وما لا ينطوي على سياق أو يكتسب أهمية، يقع أصلاً على معنى الرغبة في تزجية (هدر) الوقت. ويقدم المقيل صورة باذخة للكيفية التي يستغرق فيها هذا النوع من الكلام رواد المقيل بنوعيه الذكوري والنسوي. وبعض المقايل يخلو من معنى الراحة التي قد تدل عليها مفردة قيلولة. وثمة من يلحظ في الكلمة انزياحاً لجهة «القيل والقال». وأحياناً، يصار حديث المقايل إلى ضرب من الجلبة. والراجح أن الحاجة إلى الكلام تأتي أولاً تليها رغبة التخزين (تناول القات). ويؤكد ذلك حرص غالبية المخزنين على اللقاء خارج المنزل، في أماكن تضم أصدقاء وزملاء. وثمة من يواظب على حضور جلسة المقيل من دون أن يتعاطى القات إطلاقاً، على غرار عبد الكافي الذي يواظب منذ سنوات على حضور المقيل اليومي في احد المنتديات في صنعاء، بمعدل لا يقل عن أربع ساعات يومياً، علماً ان الرجل يمتلك سيارة، ما ينفي فرضية أنه لم يجد ملاذاً آخر غير رغبة المشاركة في الكلام لتمضية الوقت. وكان لانتشار وسائل الاتصال الحديثة، مثل أجهزة استقبال القنوات الفضائية، أن أفضى إلى تراجع الصورة الرائجة، حول أن النساء أكثر ثرثرة من الرجال. وبحسب عدد من النساء فإن جزءاً كبيراً من جلسات التفرطة يذهب في مشاهدة التلفاز. وتبين المقارنة تقدم مقايل الذكور على مقايل الإناث، سواء من حيث الزمن الذي يقضيه المخزنون أو حجم الأحاديث التي تجرى. وبات لافتاً على بعض المقايل الرجالية وبخاصة تلك التي تضم أعداداً كبيرة غياب ما يسمى بالساعة السليمانية، وهي اللحظة التي يدخل فيها المخزن في حالة صمت وتأمل باطني. وعادة، تكون مع حلول الظلام. ولطالما ألهمت الساعة السليمانية شعراء أو حضرت في قصائدهم. ويمثل عبد الإله، ورفيقه محمد علي، نموذجاً بارزاً للتحول الذي طرأ على شكل مقيل القات. وهو أمر يغاير الصورة الوصفية التي ظل يقدمها بعض الدراسات السيكولوجية لمتعاطي القات، التي تضعه بداية في حالة انشراح تقل كلما مضى في تناول القات، ليصل في النهاية إلى حالة يسودها الصمت والوجوم. وعلى عكس هذه الصورة صار كثر يمضون جل وقت التخزين في الحديث، حتى أوقات متأخرة ويحتار المرء حين يسمع عبد الإله يقهقه عند الثامنة أو التاسعة مساء، وكأنه شرع لتوه في التخزين. والغالب على أحاديث المقايل الذكورية موضوعات السياسة، فيما يحضر في جلسات التفرطة النسائية حديث المقارنات بين ممتلكات الأسر والجيران والشؤون العاطفية. وفي الحالتين الرجالية والنسائية. يكون الحشوش (النميمة) حاضراً بقوة، كما تحضر النكتة والطرائف وبعض قائلي النوادر. ومن يعرفون ب «الزباجين»، سرعان ما يستنفدون ذخيرتهم ليقعوا في التكرار من دون أن يشعروا على غرار ما بات عليه الحال مع عمر. وبدا أن ولع النميمة يطاول الأجيال الشابة أيضاً. ويندغم مع ما توفره وسائل التكنولوجيا الجديدة. ولمع نجم هاني (30 سنة) باعتباره الشخص الأكثر انكباباً على الحشوش (النميمة). وهو يمارس ذلك عبر الحديث الجانبي واستخدام المكالمات الصوتية ورسائل «اس ام اس». ولا يقتصر أمره على جلسات القات، بل ويفعل ذلك أثناء تناول الوجبات، وفي وسائل النقل... وهو أمر يخالف تصور بعض رسامي الكاريكاتور الذين ما زالوا يقدمون ربة المنزل باعتبارها الأكثر ثرثرة عبر الهاتف. وبعض مقايل القات بدأ يشهد حضور البعض مع كومبيوتراتهم المحمولة، بيد أن استخدامها أو انشغال أصحابها، اثناء المقيل، في تصفح الإنترنت هو أمر يستهجنه معظم المخزنين. ودأب يحي (55 سنة) على نعت من ينشغل اثناء المقيل بالكومبيوتر أو بتصفح الإنترنت ب «الشخص المدمن».