ليس شرطاً أن تكون البرامج المثيرة للجدل «فاقعة» في طرحها أو «مثيرة» في أفكارها، بل قد تعيش على قصص حقيقية، أبطالها ضحايا سياسات قانونية وإدارية واجتماعية. برنامج «بدون شك»، الذي تعرضه قناة «إم بي سي»، يدخل إلى زواريب ضيقة في السعودية، متخصصاً في مناقشة وأحياناً «حل» مشاكل سعوديين ومقيمين تعرضوا للغش أو يعانون من منازعات عقارية أو مخاصمات مالية أو مشاكل في الأحوال الشخصية، بمساعدة فريق قانوني وبنظرة إنسانية، وفق القائمين على البرنامج الذي يعتمد الحوار. للفريق القانوني (مؤلف من 6 مستشارين) دور كبير في إعطاء القضية المطروحة بُعداً تشريعياً يركز على كيفية إحقاق الحقوق، بدمجها مع البعد الاجتماعي والإنساني. فأولى القضايا التي ناقشها البرنامج في العام 2014 (الموسم الأول) كانت محاولة الوصول إلى أمّ يمنية فقدت ابنها لأربعة عقود. وباعتبار أن غالبية القضايا تتعلق بالأوراق الرسمية والوثائق، تأتي هنا مهمة القانونيين في مناقشتها، حيث يعرض البرنامج أسماء مستشاريه وهم: عبد العزيز الزامل وفيصل الطايع وهيفاء صفوق وناديا التميمي وخالد الفاخري وأحمد المحيميد. وتتمثل العلاقة بين القانون والإعلام في «بدون شك» في أنهما مرادفان أو مساعدان لبعضهما بعضاً على رغم وجود صراع خفي بينهما، فلا كفة يمكن ترجيحها فوق أخرى؛ الإعلام يكشف الحقائق والقانون يثبتها ويدعمها، إلا أن هدف البرنامج يبدو واضحاً في نشر الثقافة القانونية داخل المجتمع السعودي. قد يتعرض مقدم البرنامج الإعلامي السعودي محمد فهد الحارثي إلى إغلاق سماعة الهاتف في وجهه من مدير مستشفى في جازان، بعدما ثبتت فضيحة أو جريمة تبديل جنينين بين عائلتين وأصبح عمرهما الآن عشرين عاماً... وقد يتهرب رئيس إحدى البلديات من أسئلة الحارثي التحقيقية في شأن تأخير رواتب موظفين أو تسريحهم... هكذا تكون التحقيقات التلفزيونية التي تحتمل نسبة كبيرة من الأخطار، ولاسيما أنها تبث على شاشة من أكثر القنوات العربية مشاهدة وجماهيرية. في «بدون شك» يبدو الحارثي متحمساً مع فريقه للاتصال بالمتسببين بالحوادث المحلية داخل المملكة، من خلال التحضير المسبق مع أرشيف داعم، ولكن غالباً ما تكون الخيبة في انتظارهم نتيجة الفساد واللامبالاة. وحين نتحدث عن التحقيق التلفزيوني، علينا الاعتراف بطرفين متناقضين أو أكثر؛ المجرم والضحية، فضلاً عن أطراف مساعدة أخرى، وعرض مثل هذه الحالات داخل السعودية يلقى رواجاً، ولاسيما على مواقع التواصل الاجتماعي. الحارثي يلجأ إلى خبرته الإعلامية التي تمتد لأكثر من 20 عاماً، ويختار قضايا تتعلق بحالات فساد في القطاع الصحي والتعليمي والقانوني والاجتماعي.. «سعوديتان بلا مأوى وبلا أوراق رسمية»، و «زوج يعنف زوجته لمدة 25 عاماً»، و «مصير الطلاب السعوديين في سورية»، ومشاكل الموظفين والرواتب وغيرها. مثل هذه القضايا تتطلب حساً تحقيقياً صحافياً «استقصائياً»، أي لابد من وجود مشكلة وكشفها والبحث عن المتضررين، لإثبات الفرضية والضحايا، وهذا كله مع وثائق ضرورية. ففي حلقة تبديل الأجنة في مستشفى جازان مثلاً، حضرت الوثائق والتسجيلات الصوتية ولكن غابت الردود الرسمية بمعناها الإيجابي. ولا شك في ان العمل ليس سهلاً وسط شح المعلومة والوثيقة، ووسط خوف الضحايا من الظهور وعرض قضاياهم، التي يعتبرونها في كثير من الأحيان شخصية ولا يحق لأحد الاطلاع عليها، على رغم مناشدة البرنامج في صفحته الرسمية على موقع «إم بي سي» الإلكتروني المواطنين بالاتصال بهم وعرضه الوسائل التي تساعد في نشر الثقافة القانونية. مثلاً، تعرّض 37 موظفاً من بلديات عسير لفصل تعسفي على رغم وجود قرار رسمي بإعادتهم، ما تطلب تدخل الحارثي، ليتحول البرنامج إلى فيلم «آكشن» يحتمل الكثير من التشويق، وسرعان ما حلّت المشكلة. كذلك الأمر بالنسبة الى تشغيل مستشفى «نمرة» بعدما عرض البرنامج في هذه القضية قوته ليتم تشغيل المستشفى من جديد... كل هذا، جعل من «بدون شك» حاضراً في حل كثير من القضايا القانونية العالقة، وإن أخفق في قضايا أخرى كثيرة.