قبل أن تتسلّم الحكومة البريطانية الجديدة السلطة في المملكة المتحدة، وترثَ تركات أزمة الاقتصاد العالمية، كانت تداعيات رزمة الإنقاذ الأوروبية، والتي أطلق عليها «الدرع الأوروبية» الوقائية، تتردّد لدى الدول الأعضاء في إقليم اليورو، التي أوهنها الركود الاقتصادي، وأعاق مسيرةَ نموها انكماشُ قطاع العقارات الذي استمدّ فورته وانهياره من القطاع المماثل في الولاياتالمتحدة. زعزعة أسس النمو في أوروبا تربك الحكومات. هذه أتت وحققت على مدى عقدٍ معدلات نمو اقتصادي مريحة إجمالاً بدءاً من حكومة بريطانيا العمالية إلى حكومة أسبانيا الاشتراكية ومن ثم البرتغالية وقبلها اليونانية اليمينية، من دون إهمال الاقتصادات الكبرى في الاتحاد وفي إقليم اليورو أي ألمانيا وفرنسا. لكن تمحوّر النمو حول قطاعٍ واحدٍ، أو تموضعه في مجالاتٍ متشابهة، شكّل «عاهةً» في جسم الاقتصاد ككل. وتخشى اقتصاداتٌ لا تملك سوى قطاعٍ اقتصاديٍ واحدٍ لنموها، من أن تؤثر الأزمة في منطقة اليورو عليها كما هو واقع أسعار النفط. رزمة الإنقاذ الأوروبية قادت إسبانيا ومن بعدها البرتغال إلى اعتماد خطط للتقشف قبل أن تتدهور أوضاعها إلى مستويات الواقع الاقتصادي لليونان. وكانت إسبانيا المبادرة لرسم خطة التقشف، التي أعلنت الحكومة عنها. إلا أن أزمة كل من الدول الأعضاء في إقليم اليورو، أو أي منطقة للاقتصادات المتقدمة ما كانت لتكون في مستوى هذه الشدّة لولا أنها اعتمدت سياسة اقتصادية مشابهة للاقتصادات المتهوّرة في الولاياتالمتحدة وبريطانيا وغيرهما. فالاقتصاد الإسباني استطاع أن يحافظ على مكانة تصنيفه الإيجابية على رغم تقهقره وتراجع معدلات نموّه. وأصدرت إسبانيا سندات خزينتها بسهولة خلال الفصل الأول من السنة، وبفائدة 4 في المئة لعشر سنوات نهاية آذار (مارس) وبداية نيسان (أبريل) الماضيين. وعلى خلاف البرتغال التي خفضت مؤسسة «فيتش» تصنيفها، لم تتعرّض مؤسسات التصنيف لإسبانيا فبقي تصنيفها إيجابياً في نظر «ستاندرد أند بورز». غير أن إسبانيا التي عرفت ازدهاراً مميّزا عن سائر أعضاء إقليم اليورو، لم تستطع أن تستفيد من إيجابياته، إلا بكونها حافظت على مستويات تصنيفها الإيجابية وإن مخفّضة، ما يساعدها على الاقتراض لتسديد ديونها. قاربت إسبانيا الأزمة العالمية بإمكانات كبيرة فحققت ماليتها العامة فائضاً يوازي 2.2 في المئة من الناتج المحلي القائم عام 2007، واجتاز جهازها المصرفي، من دون إزعاج أزمة الرهون العقارية الخطرة، نظراً إلى متانة مؤسساته وإلى الرقابة المتشددة عليها. وتطور الاقتصاد الإسباني بوتيرة قوية بين 1999 و2007، وبمعدل وسطي 3.7 في المئة سنوياً في مقابل 1.8 في المئة لبقية إقليم اليورو، مدفوعاً باعتماده العملة الأوروبية الموحّدة وفائدة متدنية في متناول المؤسسات والأسر، جعلت ديون الأخيرة تتجاوز نحو 147 في المئة من دخلها بعد الأزمة. ويفسر الازدهار المفاجئ والواسع لقطاع البناء الفارق في معدلات النمو بين إسبانيا وسائر أعضاء اليورو، والذي خفّض معدل البطالة من 15 في المئة إلى 8.3 عشية الأزمة التي تسببت بإعادته إلى 20 في المئة نهاية آذار الماضي. ونظراً إلى السلّة الضريبية الكبيرة المتكوّنة من النمو السريع، انحصر الدين العام الإسباني ب42 في المئة من الناتج المحلي لعام 2007، - في مقابل 76 لسائر إقليم اليورو و104 في المئة لليونان -، لكنه ارتفع السنة الماضية إلى 53 في المئة من الناتج المحلي البالغ 1436 بليون يورو. وأصيبت إسبانيا مثلها مثل البلدان الأنكلوساكسونية بتراجع السوق العقارية. وثمّنت أسعار الشقق بأضعاف قيمتها وبقيت أعلى ب 50 في المئة عام 2009. لكن تراجع مشاريع البناء أعاد معدلات البطالة إلى 20 في المئة، بينما انهارت الواردات الضريبية. وما يترجم التقلّص الفوري لعدد العمّال كون 30 في المئة ممن هم في سن العمل كانوا يعملون بعقود محدّدة عشية الأزمة. وتورّطت إسبانيا مثل بريطانيا وإرلندا والولاياتالمتحدة، في عمليات طويلة من ديون الأسر التي قاربت 90 في المئة من الناتج المحلي عشية الأزمة، وتجاوزت الديون مستوى دخل العائلات ما كبح نمو الاستهلاك فتقلّص الإنتاج وتالياً العمل. وابتعدت المصارف عن الانخراط في إدارة الأزمة، لكنها تابعت عن كثب هبوط أسعار العقارات، الصعوبات المالية المتصاعدة للأسر، مضاعفة إفلاس المؤسسات، ما دفعها إلى تعزيز احتياطاتها لمواجهة الديون المشكوك في تحصيلها، مقلّصةً قدرتها على الإقراض. وباتت صناديق التوفير التي استثمرت في عقارات انخفضت قيمتها، في وضعٍ مقلق. وبقدر ما تُطرح عقارات مرتهنة للبيع تتراجع الأسعار، وتزيد مؤسسات المال احتياطاتها، في حين تعاني مؤسسات الإنتاج من نقص عضال في التنافسية. وتطوّرَ الدين العام بمعدل 89 نقطة بين 2007 و2010، ومن دون تحقيق نمو لا حظَّ بامتصاص الأزمة، وأول عناصر العودة تنويع النشاط الاقتصادي وإطلاق ورش الإنتاج فالاستهلاك. وينتظر 4.6 مليون عاطل من العمل أبواب الفرج في بلاد الأندلس.