شطبت روسيا بموافقة أميركية، الإشارة الى «الهيئة العليا للمفاوضات» المعارضة من قرار مجلس الأمن 2268 الذي صدر قبل أقل من ساعة من بدء سريان وقف الأعمال القتالية ليل أول امس، بعدما أدخلت تعديلاً أخيراً على نصه قبل دخول سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن الى قاعة التصويت بنصف ساعة. ولم تجد الدول الأعضاء في المجلس، في ضوء اتفاق موسكو وواشنطن، خياراً سوى التصويت لمصلحة القرار تجنباً لأي تحمل لمسؤولية تأخير تطبيق اتفاق وقف الأعمال القتالية، على رغم الشكوك التي أبداها مندوبوها حيال تقيد روسيا به. وصدر القرار بإجماع أعضاء المجلس في جلسة حدد فيها المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا 7 آذار (مارس) المقبل موعداً لجولة المفاوضات المقبلة. وأكد القرار الدعم الكامل لاتفاق وقف الأعمال القتالية والموعد الذي حدده لبدء سريان الهدنة ميدانياً ابتداءً من منتصف ليل الجمعة - السبت، وطالب الأطراف في النزاع وداعميهم بالتقيد به. وكانت الصيغة شبه النهائية للقرار الروسي - الأميركي تنص في فقرته الرابعة على أن ل «هيئة المفاوضات العليا» دوراً في تنسيق الاتصالات لتطبيق وقف الأعمال القتالية، لكن هذه الفقرة جاءت في النص النهائي خالية من هذه الإشارة. وكانت الفقرة الرابعة تنص على أن مجلس الأمن يعلن «اعترافه بجهود روسياوالولاياتالمتحدة للتوصل الى تفاهم على شروط وقف الأعمال القتالية، ويقر ويرحب بأن قوات الحكومة السورية ومن يدعمها، وفق ما تم تنسيقه مع روسيا، وكذلك مجموعات المعارضة السورية المسلحة، وفق ما تم تنسيقه مع روسياوالولاياتالمتحدة، بما في ذلك من خلال هيئة المفاوضات العليا، قبلت والتزمت التقيد بشروط وقف الأعمال القتالية، وهي بموجب ذلك أطراف فيه الآن». لكن هذه الفقرة جاءت في النص النهائي من دون عبارة «بما في ذلك من خلال هيئة المفاوضات العليا». كذلك أسقطت الإشارة الى «الهيئة» واجتماعات الرياض في الفقرة السابعة من القرار التي تتحدث عن المفاوضات السياسية. وكانت الصيغة الأولى تنص على أن مجلس الأمن «يدعم عملية سياسية يقودها السوريون وتسهلها الأممالمتحدة، ويطلب من الأمين العام للأمم المتحدة من خلال مساعيه الحميدة وجهود مبعوثه الخاص الى سورية، استئناف المفاوضات الرسمية بين ممثلي الحكومة السورية والمعارضة برعاية الأممالمتحدة، ويحضّ ممثليهما على الانخراط في بنية جيدة في هذه المفاوضات، وفي هذا السياق يأخذ علماً باجتماعات موسكو والقاهرة، ويشير على وجه الخصوص الى الفائدة من اجتماع الرياض الذي ساهمت مخرجاته في الإعداد لهذه المفاوضات». أما النص النهائي للقرار فقد شطب الإشارة الى «اجتماعات موسكو والقاهرة والفائدة من اجتماع الرياض ومخرجاته». وأكد القرار «تبني مجلس الأمن الاتفاق الروسي الأميركي على وقف الأعمال القتالية في سورية ويطلب أن يبدأ منتصف ليل الجمعة - السبت 27 شباط (فبراير) 2016 بتوقيت دمشق». كما طلب «التطبيق الفوري والكامل للقرار 2254 لتسهيل عملية انتقال سياسي يقودها ويملكها السوريون، تماشياً مع بيان جنيف، لإنهاء النزاع في سورية، وشدد على أن الشعب السوري هو من سيقرر مستقبل سورية». وطلب من كل الأطراف «التي ينطبق عليها اتفاق وقف الأعمال القتالية أن تطبق التزاماتها بموجب الاتفاق، وحث كل الدول خصوصاً أعضاء مجموعة الدعم الدولية لسورية على استخدام نفوذها وتأثيرها مع الأطراف لضمان تطبيق هذه الالتزامات ولدعم جهود إيجاد الظروف لوقف إطلاق للنار قابل للاستمرار». وجدد «دعوة الأطراف الى السماح فوراً للهيئات الإنسانية بالوصول عبر أقصر الطرق وفي شكل فوري وآمن ومن دون معوقات، الى من هم في حاجة للمساعدات خصوصاً في المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها، والتقيد الفوري بواجباتهم بموجب القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان». ورحب قرار مجلس الأمن «بوقف الأعمال القتالية كخطوة نحو وقف مستمر لإطلاق النار وجدد لتأكيد الارتباط الوثيق بين وقف النار وعملية سياسية موازية، بناء على بيان جنيف، وأن المبادرتين يجب أن تسيرا قدماً على وجه السرعة وفق ما هو منصوص عليه في القرار 2254». ودعا «كل الدول الى استخدام نفوذها وتأثيرها مع الحكومة السورية والمعارضة السورية للدفع قدماً بعملية السلام وإجراءات بناء الثقة، بما في ذلك الإطلاق المبكر لأي أشخاص معتقلين تعسفاً خصوصاً النساء والأطفال، وتطبيق وقف الأعمال القتالية». وطلب من الأمين العام للأمم المتحدة «تقديم تقرير إلى مجلس الأمن حول تطبيق القرار، بما في ذلك بناء على المعلومات المقدمة من مجموعة العمل لوقف الأعمال القتالية، وتطبيق القرار 2254، خلال 15 يوماً من تبني هذا القرار، وكل 30 يوماً بعد ذلك». دي مستورا وأعلن دي مستورا في بداية الجلسة أن موعد الجولة المقبلة من المفاوضات بين الأطراف السوريين هو السابع من آذار المقبل «بناء على ما أتوقعه من صمود وقف الأعمال القتالية ومواصلة مرور المساعدات الإنسانية من دون عراقيل». وأوضح آلية تنفيذ مهمة «مجموعة العمل لوقف إطلاق النار» التي تشترك روسياوالولاياتالمتحدة في رئاستها بأنها ستقوم أولاً «بتحديد النطاق الجغرافي التابع لتنظيم «داعش» و «جبهة النصرة» وسواهما من التنظيمات الإرهابية كما حددها مجلس الأمن، وهي غير مشمولة بوقف الأعمال القتالية». كما أن المجموعة «ستتولى تنسيق الاتصالات لدعم التقيد بالاتفاق وخفض التصعيد والتوتر، وتقويم طبيعة وصدقية البلاغات عن خروق وقف الأعمال القتالية لتحديد إجراءات الرد». وستحدد المجموعة «كيفية الرد على الخروق المتكررة قبل رفع تقاريرها الى المسؤولين في مستويات أعلى» وسيكون لها مركز رئيس ومركز للإنذار الدائم مهمته تقديم التقارير الى راعيي الاتفاق، ومجموعة الدعم الدولية لسورية». وأوضح أن المفاوضات السياسية المقبلة في جنيف ستعقد «مع الممثلين أنفسهم عن الحكومة السورية والمعارضة، ومجموعة الأفراد المرتبطين باجتماعات موسكو والقاهرة» وبالأجندة نفسها «بناء على قرار مجلس الأمن 2254». وقال إنه يعتزم في الجولة المقبلة «التركيز على القضايا الرئيسية وفق ما حددها القرار 2254 وهي الوصول الى اتفاق على حكم موثوق وشامل وغير طائفي، وجدول وعملية لصياغة دستور جديد، وجدول لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية حرة ونزيهة على أساس الدستور الجديد». وقال إنه سيشدد على قضايا إجراءات بناء الثقة ومنها إطلاق المعتقلين تعسفاً والرهائن. وقالت السفيرة الأميركية سامنتا باور بعد صدور القرار إن هناك «شكوكاً في ما إذا كان وقف الأعمال القتالية سيقابَل بالاحترام وسيصمد»، معتبرة أن أسباب التشكيك «أكثر من مبررة في ضوء مصير الجهود السابقة لوقف العنف» وأن «العبرة في التطبيق». وأوضحت أن «القلق هو من استمرار القصف الجوي السوري والروسي على بلدات على امتداد سورية، وعلى بلدات مثل داريا (جنوب غربي دمشق) التي ليس فيها وجود لتنظيم «داعش» أو «جبهة النصرة». وتوقعت باور أن تطبيق الاتفاق «سيكون تحدياً بالغ الصعوبة، لكن نجاحنا في تطبيقه سيكون خطوة حقيقية نحو الحل السياسي». وقالت إن الاتفاق لا يشمل تنظيمات إرهابية على غرار «داعش» على رغم أن «أي خفض ولو جزئياً للعنف سيحدث فرقاً بالنسبة الى الشعب السوري»، مشددة على ضرورة «وصول المساعدات في شكل دائم ودوري الى كل السوريين الذين هم في حاجة بغض النظر أينما يعيشون». وأضافت إن الانتقال السياسي في سورية الذي يعمل عليه دي مستورا «يجب أن يتم بعيداً من (الرئيس) بشار الأسد الذي فقد كل شرعية للقيادة، والعديد من السوريين لن يوقفوا القتال أبداً طالما هو في السلطة». وقالت إن الولاياتالمتحدة تشاورت عن قرب مع المجموعات الأساسية في المعارضة السورية المسلحة «التي أكدت قبولها شروط وقف الأعمال القتالية من خلال الهيئة العليا للمفاوضات، أو مباشرة مع الولاياتالمتحدة». وقالت إن «الغالبية العظمى من المجموعات المعارضة جاهزة للتقيد في حال التزام الحكومة والقوى التي تدعمها بالاتفاق». وأضافت إن القرار يتبنى «مجموعة خطوات عملية ومحددة يجب على أطراف النزاع التزامها لخفض العنف وإيجاد مساحة لوقف طويل الأجل لوقف النار». ومثل روسيا في الاجتماع نائب وزير خارجيتها غينادي غاتيلوف الذي قال إن القضاء على الأرهاب يشكل أولوية في سورية، داعياً الى «وقف بعض الدول استخدام الإرهاب وسيلة لتحقيق أهداف سياسية». وفي إشارة الى تركيا، دعا غاتيلوف الى إنشاء آلية لوقف مرور الإرهابيين عبر الحدود السورية مع الدول المجاورة و «وقف تقويض وحدة وسلامة الأراضي السورية بتدخل خارجي» وإلى «إنهاء ممارسات الدعم الخارجي للمجموعات المسلحة الذي يهدد العملية السياسية ومستقبل وقف الأعمال القتالية». وأكد رفض روسيا أي «خطوات تؤدي الى تقويض العملية السياسية من خلال وضع شروط مسبقة». وأبدت فرنسا شكوكاً قوية في التزام روسيا والحكومة السورية الاتفاق. وقال سفيرها فرنسوا ديلاتر إن بلاده «تريد عملية تؤدي الى نتائج ملموسة للشعب السوري، وليس لأجل العملية نفسها، ولا لكي تكون ستاراً لتصعيد عسكري يستهدف المدنيين والمعارضة المعتدلة». وأضاف أنه على رغم ترحيب فرنسا باتفاق وقف الأعمال القتالية وتأييدها قرار مجلس الأمن، فإنها «تعتبره مصدر أمل، وامتحاناً في الوقت نفسه للقوى الأجنبية التي وافقت على وقف الأعمال القتالية، وراعيي الاتفاقية». ودعا السفير المصري عمرو أبو العطا، العضو العربي الوحيد في المجلس، الى ضرورة الحفاظ على «تمثيل المعارضة» في المفاوضات السياسية «وفق ما حدده قرار مجلس الأمن 2254 بحيث تتضمن المجموعات والقوى التي لم تنضم بعد «الى المفاوضات «ومنها المجموعات الكردية والعربية التي تقاتل التنظيمات الإرهابية في شمال سورية». ورحب باتفاق وقف الأعمال القتالية وخفض العنف للتوصل الى حل سياسي «يحفظ لسورية وحدتها وسيادتها ومؤسساتها» معتبراً أن هذا هو السبيل الوحيد «لإنهاء معاناة الشعب السوري وتمكين الدولة السورية من القضاء على الإرهاب». وشدد على ضرورة أن تتحمل الأطراف التي تنتهك الانتهاك وحدها عواقب أعمالها. ورحب باتفاق إيقاف الأعمال القتالية وبقرار مجلس الأمن الذي «يجب أن يؤدي الى تحسين الظروف الإنسانية للشعب السوري» وقال السفير السوري بشار الجعفري إن الحكومة السورية «تستمر في التنسيق مع الجانب الروسي لتحديد المناطق والمجموعات المسلحة التي يشملها وقف الأعمال القتالية طيلة مدة سريانه». وأكد أهمية «ضبط الحدود ومنع بعض الدول من تقديم الدعم الى المجموعات المسلحة ومنع هذه التنظيمات من تعزيز قدراتها أو تغيير مواقعها تفادياً لتقويض الاتفاق». وقال إن الحكومة السورية «تتمسك بحق الرد على أي خرق ضد المواطنين السوريين أو قواتها المسلحة». وأضاف أنها «جاهزة للمشاركة الفعالة في أي جهد للتوصل الى التسوية السياسية التي يقررها السوريون».