عقد مؤتمر الطاقة العربي التاسع الأسبوع الماضي في الدوحة بإشراف «منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول» (أوابك) والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، وجامعة الدول العربية والمنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين. وتقرر أن يُعقَد المؤتمر العاشر عام 2014 في بيروت. ويُذكر أن مؤتمرات الطاقة العربية، التي تلتئم مرة كل أربع سنوات، تجمع ما بين الدول العربية المنتجة للنفط والمستهلكة له، وتبحث في مجمل أمور الطاقة، من نفط وغاز وكهرباء وطاقات متجددة، وطرق الإنتاج والاستهلاك وتحسينها وترشيدها. حضر المؤتمر نحو 500 مشارك، معظمهم من ضمن وفود رسمية، مع عدد محدود من المدعوين العرب والأجانب المتخصصين. لكن ثمة حاجة ماسة لتغيير هذا التقليد في المشاركات المستقبلية، كدعوة شركات الطاقة العربية ومؤسساتها المتخصصة، الرسمية والخاصة، مثل «مصدر» وهيئات الطاقة الذرية و «كوفبيك»، لتعزيز النقاش بخبرات جديدة ذات صلة بصناعة الطاقة الإقليمية. كان شعار المؤتمر هذه السنة «الطاقة والتعاون العربي». وتُعتبَر مؤتمرات الطاقة وريث مؤتمرات النفط العربي التي كانت تبحث في الاتفاقات مع الشركات الدولية العاملة في المنطقة، وأسعار النفط الخام. لكن تغير جدول الأعمال، إذ تناقش المؤتمرات الأوجه الصناعية للطاقة. وحدد وزير البترول والثروة المعدنية السعودي علي النعيمي في كلمته أمام المؤتمر، الاهتمامات الرئيسة لصناعة الطاقة العربية في الوقت الراهن: أهمية استقرار الأسواق، كيفية جعل الطاقة صديقة للبيئة، تنمية القدرات البشرية المتخصصة، ضرورة التعاون والتكامل إقليمياً، الدور المتزايد للقطاع الخاص، أهمية البحوث والتقنية الجديدة في المشاريع الحديثة، ضرورة الاستخدام الأوسع للغاز الطبيعي، أهمية الطاقات المتجددة، وكيفية الموازنة بين المصالح الاقتصادية ورفاهية الشعوب. وفي هذا الصدد، شدد نائب رئيس الوزراء وزير الطاقة والصناعة القطري عبدالله العطية على أهمية أن يكون التعاون العربي حقيقة لا وهماً، كما تمنى بروز تعاون فعلي وشفاف. وناقش المؤتمر آفاق الاستثمار وأخطاره في مشاريع النفط والغاز العربية على ضوء التقلبات الاقتصادية الكبرى في السنوات الأخيرة، من خلال دراسة مسهبة قدمها المستشار الأقدم في «الشركة العربية للاستثمارات البترولية» (أبيكورب) علي عيساوي، المتفرعة من «أوابك». واستعرض التقرير الظروف الراهنة لأسواق الائتمان والنفط العالمية وتأثيرهما في الاستثمارات في قطاع الطاقة العربي. وأشار إلى أن أسواق المال، على رغم مرور أكثر من سنتين على نشوب الأزمة الائتمانية في آب (أغسطس) 2007، لا تزال متأثرة بها كما أن معدل الاستثمارات لا يزال في تراجع مستمر، بينما يُتوقَّع استمرار ضعف الاقتصاد العالمي. لكن نتيجة لصعود أسعار النفط خلال النصف الأول من عام 2008، ساد اعتقاد أن المنطقة العربية غير معرضة لعواقب هذه الأزمة، إلا أن الانخفاض الحاد الذي تعرضت له أسعار النفط بعد ذلك، إضافة إلى استمرار القيود على الإقراض المصرفي، أثرت سلباً في التطلعات الاقتصادية والاستثمارية في مجال الطاقة بالمنطقة. ولفت تقرير «أبيكورب» إلى أن «المسؤولين عن سياسات الطاقة في الدول العربية ومروجي المشاريع ومستثمريها، لم يكن أمامهم خيار للتكيف مع الأزمة سوى إعادة تقويم استراتيجياتهم الاستثمارية وتقليص حجم محافظ المشاريع، وبذلك انعكس اتجاه المسار التصاعدي الذي تحقق خلال السنوات السابقة». وبيّن تراجع حجم الاستثمارات الرأسمالية المحتملة حتى عام 2014، ومن أهم أسباب ذلك، الانخفاض المرتقب في تكلفة المشاريع. وأكد التقرير استمرار انخفاض الحاجة الفعلية إلى رؤوس الأموال نظراً إلى تأجيل مشاريع أصبحت غير مجدية أو تعذّر تمويلها أو إلغاؤها. كذلك اتجهت هيكلة تمويل المشاريع المتبقية في مجملها نحو نسبة أكبر من التمويل الذاتي، في حين بقيت نسبة الاستدانة لمشاريع الصناعات اللاحقة مرتفعة. ومن ثم أصبح الحصول على القروض المطلوبة أكثر تحدياً من أي وقت مضى. بناء على هذا التحليل، أوصى تقرير «أبيكورب» بالآتي: استمرار الحكومات العربية في تعويض التراجع في تدفق الاستثمارات الخارجية إلى المنطقة بإعادة توظيف أصولها المستثمرة خارجياً من طريق الصناديق السيادية، وتوفير السيولة وتعزيز رسملة المؤسسات المالية الإقليمية العاملة على الصعيد العربي وتوجيه هذه الأموال نحو المؤسسات المعنية بتطوير صناعات البترول والطاقة لأنها «رافعة قوية للنمو الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة». ويعني هذا أن تُستَثنى المشاريع الكهربائية والكهرمائية من خيارات الإرجاء. وأوصى أخيراً بالعمل على تقليل الأخطار وتحسين المناخ الاستثماري ليحظى بالأولوية. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة