في العام 1999 وافقت المانيا، في عهد المستشار غيرهارد شرودر، على انضمام ايطاليا الى منطقة اليورو، انطلاقاً من مبدأ المستشار السابق هيلموت كول الذي حض على «استثمار مشروع العملة الموحدة كي تعود المانيا الى اوروبا ويعود الاوروبيون اليها بعد حربين عالميتين واعادة توحيد الرايخ» كما قال العام 1991. لكن الحقيقة، كما يتذكرها رومانو برودي رئيس الوزراء الايطالي في العام 1996» ان «موافقة برلين على عضوية روما في النادي المالي الاوروبي كان بسبب البقرات الالمانية». قال برودي انه استطاع اقناع الحكومة الالمانية بدعم عضوية ايطاليا لانقاذ انتاج الحليب الالماني، الذي كانت تستورد ايطاليا نسبة 40 في المئة منه، على رغم ان الموازنة الايطالية كانت تعاني اختلالاً كبيراً وكانت قيمة الليرة تراجعت 40 في المئة... لكن مصلحة المزارعين الناخبين الالمان دفعت برلين الى تجاوز قواعد صارمة واستبدال الليرة باليورو، ومن ثم توسيع الاتحاد كي يضم دول الجنوب الاوروبي ومنها اليونان المتعثرة الآن. ويبدو ان الفاتورة البالغة نحو تريليون دولار، التي ستتحمل العبء الاكبر منها المانيا، قد لا تكون كافية لانقاذ اليورو من دول الجنوب، كما يعتقد بول فولكر رئيس مجلس الاحتياط الفيديرالي (المركزي الاميركي) مشيراً، اثناء محاضرة القاها في لندن ليل الخميس - الجمعة، الى اعتقاده بان «المشاكل الكبيرة التي تواجهها الاقتصادات في غالبية الدول الاوروبية ستنعكس سلباً على مستقبل العملة الموحدة وديمومتها». وكان اليورو تراجع امس دون مستوى 1.24 دولار نتيجة تراجع سلبي للاقتصاد الاسباني الذي يعاني الركود والديون العالية مثل اليونان. ويعني السعر الجديد المسجل للعملة الاوروبية عند 1.2359 دولار الادنى منذ 19 شهراً، ما دفع اسواق الاسهم الاوروبية الى مستويات متدنية انهت المكاسب المحققة في «اثنين الانقاذ» عند اقرار حزمة الاجراءات لدعم اليونان والاقتصادات المتعثرة. وكانت المانيا، بالتعاون مع فرنسا، قادت توحيد العملة في دول شمال اوروبا وسط نظام صارم في البداية لاصلاح الاخطاء التي ارتُكبت عند اطلاق العملة، وسط طموحات سياسية لتوحيد القارة اقتصادياً ومن ثم سياسياً لتأسيس كيان في مواجهة الولاياتالمتحدة، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وتم قبول دول الجنوب من دون آلية محكمة للاشراف على اقتصاداتها وموازناتها ولم يستطع البنك المركزي الاوروبي القيام بدور رقابي فعال بل اكتفى بتوصيات. وانتهى الامر الى نتيجة تم اكتشافها فجأة في الازمات. وكان المستشار كول، ابلغ مجلس النواب الالماني (بوندستاغ)، بعد اقرار اتفاقية ماستريخت العام 1991، «اننا نريد اكبر عدد من الدول الاعضاء لعضوية اليورو» ما سمح لدول مثل ايطاليا واسبانيا والبرتغال بتجميل موازناتها واقتصاداتها ومن ثم انضمامها الى منطقة اليورو التي استهدفت في الاساس ان لا يزيد عجز موازنة اي دولة عضو على 3 في المئة، وان يتساوى لاحقاً مستوى الدخل الفردي بين مختلف الاقتصادات، وان يتوازن بين دول الشمال الثرية والجنوب الفقيرة نسبياً. لكن في ازمة الائتمان وما تبعها كشفت عجوزات الموازنة الكبيرة والديون المتعاظمة لدول الجنوب والفوارق بين مستويات الدخل التي تراوح بين نحو 69 الف يورو في لوكسمبورغ و18 الفاً في سلوفاكيا. يُذكر ان رئيس الوزراء الايطالي السابق لامبيرتو ديني، الذي كان وزيراً للمال والخارجية قال عن اليورو «انه عملة من دون دولة... من المستحيل ادارتها وضبطها»، مضيفاً «تم تأسيسه لاسباب سياسية من دون ركائز اقتصادية موحدة». ومن بين ما يأخذه الاقتصاديون على العملة الاوروبية الموحدة «ان البنك المركزي الاوربي من دون اسنان بينما تتعامل كل دولة اوروبية باستقلالية عن الاخرى في مجالات الضرائب والتشريع ونسب الدين العام خلافاً للولايات المتحدة حيث الحكومة الفيديرالية واحدة في تشريع الضرائب والقوانين ما يرفد الدولار بالدعم الكامل على رغم وصول عجز الموازنة والديون الى مستويات غير مسبوقة». ولا يزال اليورو، رغم تراجعه حاليا، اعلى من مستوى اطلاقه (1.17 دولار)، علما انه مقوم بنسبة 11 في المئة اكثر من العملة الخضراء.