أمير تبوك يستقبل المواطن ممدوح العطوي المتنازل عن قاتل أخيه    «السعودية للكهرباء» و«أكوا باور» و«كوريا للطاقة» توقع اتفاقية شراء الطاقة لمشروعي «رماح 1» و«النعيرية 1»    اليونيسف: مقتل أكثر من 200 طفل في لبنان في أقل من شهرين    التشكيلة الرسمية لمنتخب السعودية أمام اندونيسيا    مركز الملك سلمان للإغاثة ينظم المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة الأحد القادم    انطلاق ملتقى المسؤولية الاجتماعية 2024 تحت شعار "الإعلام واقع ومسؤولية"..غداً    جامعة الأميرة نورة تُطلق ملتقى "ريادة ملهمة" لتعزيز ثقافة الابتكار وريادة الأعمال    القبض على مواطن لترويجه 44 كيلوجراما من الحشيش في عسير    الصناعة والثروة المعدنية تنفذ 1,584 زيارة ميدانية على المنشآت الصناعية خلال أكتوبر الماضي    ارتفاع أسعار الذهب إلى 2623.54 دولارًا للأوقية    القيادة تهنئ أمير موناكو بذكرى اليوم الوطني لبلاده    سماء غائمة تتخللها سحب رعدية ممطرة على جازان وعسير والباحة    منتدى الرياض الاقتصادي يطلق حلولاً مبتكرة    «الجامعة العربية» تدعم إنشاء التحالف العالمي لمكافحة الفقر والجوع    دراسة: القراء يفضلون شعر «الذكاء» على قصائد شكسبير!    التعليم: إلغاء ارتباط الرخصة المهنية بالعلاوة السنوية    «الثقافة» تحتفي بالأوركسترا اليمنية في مركز الملك فهد الثقافي    الأخضر يختتم استعداده لمواجهة منتخب إندونيسيا ضمن تصفيات كأس العالم    الخليج يواجه الشباب البحريني في ربع نهائي "آسيوية اليد"    الأخضر السعودي تحت 19 يتغلّب على البحرين في ختام معسكر الشرقية    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع حاكم إنديانا الأميركية    42 متحدثًا في الملتقى البحري السعودي الثالث    وزير الدفاع ونظيره الفرنسي يبحثان آفاق التعاون العسكري    انعقاد أولى الجلسات الحوارية في المؤتمر الوطني للجودة    «عكاظ» تكشف تفاصيل 16 سؤالاً لوزارة التعليم حول «الرخصة»    «الشورى» يطالب التأمين الصحي بالقيام بمهماته وتحقيق أهدافه    الأخضر «كعبه عالي» على الأحمر    رينارد في المؤتمر الصحفي: جاهزون لإندونيسيا وهدفنا النقاط    العتودي الحارس الأخير لفن الزيفه بجازان    اتهامات تلاحق كاتباً باستغلال معاناة مريضة ونشرها دون موافقتها    بعد سيلين ولوبيز وكاميلا.. العالمي هوبكنز يعزف في الرياض    163 حافظا للقرآن في 14 شهرا    «الإحصاء»: السمنة بين سكان المملكة 15 سنة فأكثر 23.1 %    إصابات الربو في الطفولة تهدد الذاكرة    إدانة دولية لقصف الاحتلال مدرسة تابعة للأونروا    عودة للمدارس    وزارة العدل: 9300 مستفيد من صندوق النفقة خلال 2024    ChatGPT يهيمن على عالم الذكاء الاصطناعي    سعادة الآخرين كرم اجتماعي    (إندونيسيا وشعبية تايسون وكلاي)    بيع ساعة أثرية مقابل 2 مليون دولار    لبنان نحو السلام    الاختيار الواعي    صنعة بلا منفعة    الأمير سعود بن مشعل يستقبل مندوب تركيا    رسالة عظيمة    أصول الصناديق الاستثمارية الوقفية بالمملكة ترتفع إلى مليار ريال    مرحلة الردع المتصاعد    هل تجري الرياح كما تشتهي سفينة ترمب؟    المملكة ومكافحة مضادات الميكروبات !    الاكتناز    البرتقال مدخل لإنقاص الوزن    حسام بن سعود يستقبل رئيس جامعة الباحة    محافظ محايل يرأس اجتماع لجنة السلامة المرورية    سعود بن طلال يطلق كائنات فطرية في متنزه الأحساء    برعاية سمو وزير الدفاع.. رئيس هيئة الأركان العامة يدشن أعمال الملتقى الدولي الأول لضباط الصف القياديين    الكتابة على الجدران.. ظاهرة سلبية يدعو المختصون للبحث عن أسبابها وعلاجها    يا ليتني لم أقل لها أفٍ أبداً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلطان بن سلمان ل «الحياة»: الملك فهد رفض رحلتي لكنني تمسكت بالسفر إلى الفضاء ... وأنشر برقية الملك عبدالله للمرة الأولى
نشر في الحياة يوم 14 - 05 - 2010

مرّ 25 عاماً الآن، منذ أن عاد ذاك الشاب الرياضي الرشيق، وطبعت الصحف صوره مئات الآلاف، في احتفالية كبرى برائد الفضاء العربي الأول. كان ولا يزال حدثاً عربياً بامتياز في العام 1985. اليوم، يعج مكتبه بأنواط وأوسمة ودروع من رؤساء دول وجهات عليا.لا تقلقوا إذا سمعتم هدير محركات طائرة نفاثة بكابتن واحد فوق بيوتكم، يهبط بطائرته على الطرقات العامة، في القرى النائية والمناطق السياحية، فهذا ليس سوى سلطان بن سلمان. ينساب أنهاراً من الحكايات الدقيقة جداً في تفاصيلها، لتمتلئ سلتكم بالأسماك، أو لتقطفوا فاكهة شتى من شجرة واحدة. وقد تؤلفون كتاباً بسرعة الريح من أول لقاء تخرجون به. «عندما تزداد ضغوط العمل لا يخففها إلا الطيران، أهبط في قرية صغيرة، أو على الطرق العامة، كل أسبوع في منطقة». يتحدث الرائد للمرة الأولى بإسهاب من خلال «الحياة»، ويسرد حكايات كأنها كانت بالأمس، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، يتحدث أيضاً عن التحديات، ويجيب عن الأسئلة العالقة في أذهان المجتمع:
حارس مرمى وسائق وموظف إعلام
طفولته مثل أي طفل عاش في مدينة الرياض، التي كانت هادئة ذلك الوقت، هكذا يراها «كنا نخرج من المدرسة باكراً، ما يعطينا فرصة لأن نعود لمنازلنا، لنلعب الكرة، ومن ثم نخرج للصحراء القريبة، حيث ديدننا كل يوم». لم يطل الوقت كثيراً ليتعلق بالطيران منذ وقت مبكر، حين بدأت الشرارة منذ حضور أول دفعة من كلية الملك فيصل الجوية، بحضور الملك فيصل رحمه الله، «كنت في المرحلة المتوسطة، وشاهدت بعينيّ حفلة التخرج لشباب يتحركون في مسيرة عسكرية، والطائرات تستعرض، وبحت لوالدي بالأمنية الطارئة ساعتها».
وتمطر المفردات بعاطفة، حين يقول: «الحياة كانت أهدأ، وكنا نسمع لبعضنا. لم تكن مواعيدنا مكتظة. كنا نعرف سيارات بعضنا. كنا نستشعر نبض حركة المدينة. لم تكن الشوارع كلها مضيئة، وهذا يعطيها رونقاً خاصاً. أحياناً تنطفئ الكهرباء في الشارع الرئيس في الرياض، ويبهرني جمالها». منزل الأمير سلمان يحظى كما يقول ابنه «بتربية مميزة تفاعلية. لم نكن نعيش في البيت حالة رعب، كنا نعيش الحب».
ملامح الجرأة بدأت ترتسم على وجهه منذ علاقته «الودودة» برفقائه، «حاولت مرة أن أهرب من المدرسة معهم، وأمسكني المدير الشيخ عثمان الصالح «رحمه الله». وأخذت فيها علقة حقيقية، أدبتني. كنت منضبطاً في دراستي، وشغوفاً بالكرة. وكنت حارس مرمى مميز في المرحلة الابتدائية، إلى أن لعبنا مرة مباراة كانت في الملعب الكبير التابع للناصرية، في مدرسة أسست لأنجال الأسرة (المالكة). وقد أعطيت هدية وشهادة لدوري في الحراسة، من فرحي بها كنت لا أنام من دون أن أتأملها بعينيّ كل ليلة». ولم تستمر البطولات الصغيرة التي غار عليها أبطال النصر والهلال «كان الخطأ الفادح أننا لعبنا مباراة مع فريق ليس من مدرستنا. كانت بوابات الحراسة ضخمة جداً. ولم تكن صغيرة مثل مدرستنا فأكلت فيها سبعة أهداف في المباراة، لصالحهم. هذا الفريق أحضر «لعيبة» من الهلال والنصر، وغيرهما. وكنت أبتعد عن الكرة عندما تسدد». وودع سلطان بعدها حراسة المرمى إلى غير رجعة.
يتأمل سريعاً، ويستخرج ثمرة أخرى من جعبته الغرقى بالأحداث «كنت أحب السيارات والسرعة، كنت شبه محترف ولا زلت أعتقد بأنني سائق ماهر. وشاركت في تكوين فريق «الفورمولا ون» الأول للخطوط السعودية في أواخر السبعينات».
ولكن من يصدق أن هذا الرياضي «النشط» عانى في مرحلة من حياته، لم يعرف بها كثيرون، من مرض «روماتيزم المفاصل»، مُنع إثره من الحركة لمدة عام؟ قال الطبيب للأمير سلمان: «إن مرض ابنك يرجح بأن يكون «فايروس»، ولو استفحل ووصل إلى القلب، فسيؤدي للوفاة». ويكمل سلطان «كنت في الثاني المتوسط. وكانت أصعب سنة دراسية في حياتي، لأنني كنت أرى رفاقي يلعبون الكرة في الصحراء. فيما كنت أتناول كميات كبيرة من «الكورتيزون» و»الأسبرين»، التي تسببت في فرط زيادة وزني. لكنني شفيت بعد أن وصل عمري إلى 21 سنة، وتعديت مرحلة النمو، حينها أخضعت نفسي لبرنامج رياضي قاسٍ». وعاد سلطان من أميركا، موظفاً بمسمى «باحث في الإعلام الخارجي»، «كان رئيسي في ذلك الوقت وأعتز بذلك، هو الدكتور عبد العزيز خوجة، حينما كان وكيلاً لوزارة الإعلام. وكان محمد يماني وزيراً آنذاك. وأذكر أنني لما عينت، حرص والدي أن لا أستبق الزمن، ولا أتعدى خطواته، بل أن أكتسب الخبرة بتدرج. وحدث أن هاتف الدكتور يماني، الذي قال له بأن الابن سلطان تعين عندنا، وعيناه في المرتبة السابعة بحسب النظام. ولكن سنعطيه فترة وأنقله إلى مكتبي، بمرتب أكبر. فقال والدي: لا، الله يخليك، لا تخرب ولدنا علينا. دعه يتدرج مع أقرانه. وأعطيت مكتباً مستقلاً. وبالصدفة قرأت في الجريدة. وكان يصلني الملخص الصحافي من وزارة الإعلام «رائد فضاء عربي مع «ناسا» إلى الفضاء». وأول ما تبادر إلى ذهني أنه قد يكون الدكتور فاروق الباز. وكنت أسمع به وفريقه، أو قد يكون أحد من العلماء».
من الرياض لهيوستن
وبعد فترة سمع أن لديهم «رغبة في إشراك رائد فضاء عربي، وسمع أيضاً من وزير الإعلام، أن هناك طلباً أن أرشح لذلك. وطلبوا معلومات، وكنت من ضمن المرشحين لوزارة الدفاع والطيران. وكان الوضع تنافساً بين «ناسا» ووكالة الفضاء الأوروبية، على استقطاب الأقمار الاصطناعية التي تطلق على المكوك. وكان هناك نوعاً من التحفيز للدول التي تطلق الأقمار بتقديم مقعد على المكوك. وهذا ما حدث. إذ كانت الفرص متوفرة، فالمملكة هي المساند الأكبر في منظمة الاتصالات العربية «عربسات»، والدولة الأكثر تقدماً حينها، في مجال الاتصالات الفضائية. واتفقت الدول جميعها على أن المملكة هي من ستقدم «رائداً» لهذه الرحلة».
«وتحسس أخي فهد رأي والدي، الذي فضل أن يستأذن الملك فهد، فهو والدنا الأكبر في الأسرة وقائد البلاد. ولأول مرة أقول هذه المعلومة: وجه والدي الأمير سلمان، خطاب إلى الملك فهد، بأن «الابن سلطان مرشح ضمن مجموعة، وسيمر على مراحل كثيرة في التهيئة، وقد ينجح، وقد لا ينجح. لكنه يريد أن يستأذنك». وأفرغ والدي على مسامعه سيرتي الحسنة. فالملك لن يرغب بتمثيل بلاده بشخص غير مؤهل. وقال والدي: «إنه عاقل ومتزن، وهي فرصة». ورد الملك فهد بالرفض. وقال: «سلطان ابننا، وهذه مغامرات، ونحن لا نريده أن يغامر، نريد أن ندخره لأشياء أكبر من هذا وأهم». وتبينت لاحقاً، أنه أراد أن يختبر عزيمتي في الأمر. فبلّغني والدي أن الموضوع «مغلق». واحترمت هذا الرأي. ولكنني لم أيأس، وعدت عليه، مؤكداً أن هذه فرصة لا تتكرر. وأنني مواطن، وهذا جزء من مواطنتي، إن سنحت فرصة. لذا أريد أن أقدم أسمي مع المجموعة. فتكلم والدي شفهياً، مع عمي مجدداً. وقال له «سلطان معزّم يقول كذا وكذا. وأنتم الله يسلمكم رأيكم كذا». فقال الملك: «طيب، لكن بشرط أن يكون ضمن المؤهلين جميعاً، بلا مجاملات!»
ووافق الملك على ضم اسمه للمجموعة المرشحة، وبدأوا الفحوصات الطبية السرية في المستشفى العسكري التخصصي. وانتهى الأمر بثلاثة مرشحين، هم: الأمير سلطان بن سلمان، والرائد عبد المحسن البسام، والرائد عبد الرحمن البلوي (نائب القوات الجوية الآن). وصدرت برقية إلى وزير الإعلام، بتفريغ الأمير سلطان، في «مهمة محددة وسرية».
وسافروا من الرياض ليلاً، إلى لندن، ووصلوا لمدينة هيوستن، في الليلة التالية، لتقلهم سيارة لمركز «جونسون للفضاء»، لبدء الفحوصات الطبية فجراً. وفي نهاية اليوم «كان الدكتور النفسي جالساً في غرفة مظلمة تقريباً، يضع لمبة صغيرة، ويفتح شوكلاتة أمامي، ليأكلها، ويضع رجله فوق الطاولة، موجهاً أسئلته إليّ، وعندما انتهت المقابلة سألته «دكتور، لماذا تقابل الناس، وتحللهم نفسياً، ماذا تريد أن تعرف؟ هل لتتأكدوا أن الشخص غير مجنون؟، قال: هذا واحد من الأشياء. قلت: وهل تظن أن أحداً يركب صاروخاً بمحركات ونار، ليطير للفضاء ليس لديه شيء من الجنون؟، فضحك».
وعادوا للمملكة. وكان اختيار البسام الرائد البديل لسلطان، الرائد الأول. وأعلن الخبر رسمياً، بعد توجهم إلى هيوستن، لبدء التدريب لمدة ثلاثة أشهر، وقابلوا الملك فهد قبل سفرهم. ويقول: «كان كلامه منصباً على المملكة، وسمعتها. فالموضوع فيه جانب سياسي كبير». ووجه المهمة الملك، وأشرف عليها السفير السعودي في واشنطن الأمير بندر بن سلطان، والأمير خالد بن فهد، الذي كان رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية في الديون الملكي، وهو الذي «تولى عملية التهيئة. واستقطب الدكتور عبدالله الدباغ للفريق العلمي. وبدأ بتكوين فريق علمي ومفاوضات «عنيفة» مع «ناسا» لوضع تجارب علمية، مهمتها تدريب العلماء السعوديين على إجراء التجارب في هذا البيئة المتقدمة جداً. لاحظي أننا نتكلم عن العام 1985. ووفرت جامعة البترول والمعان، مجموعة من العلماء السعوديين، يدرسون في أميركا، مثل الأمير تركي آل سعود، والدكتور منصور ناظر (نائب رئيس شركة معادن). وهم الذين تولوا الإدارة اليومية في مكتبنا. وكانوا يعيشون في مكتبي أنا وعبد المحسن البسام، يديرون برنامجنا اليومي، وكل ما يتعلق في خدمات التدريب، إلى آخره».
التماسيح تتربص والرحلة غداً
وفي الليلة التي سبقت الرحلة، توجهوا إلى مكان الانطلاق في الشهر الأخير، وتدربوا داخل المركبة. وقبل الانطلاق بأسبوع «دخلنا الحجر الطبي في هيوستن، في مهبط كبير، بعدها بثلاثة أيام، انتقلنا إلى مركز الفضاء في فلوريدا، الذي فيه مركبة الانطلاق. وكنا في شقة كبيرة، ليس فيها نوافذ. وكنت أسمع الضجة والمطبخ وأحاديث الناس. وكنا نقضي طوال اليوم في رياضة الجري. وكان هناك تماسيح في البحيرات حولنا، وقد حذرونا منها، وحدث أن رأيت تمساحين على مقربة مني، وتمكنت من الهرب، لخفتي في الجري!»
واستيقظ الجميع كالمعتاد في الثالثة على مائدة الإفطار «بالنسبة لي كان سحوراً إذ كان في شهر رمضان. وذهبنا إلى منصة الانطلاق. وبدأ العد التنازلي. وتحرك المكوك ببطء بعدها، ثم بدأ يسرع، وينقلب على ظهره». يقول وقد غاص في تفاصيل ذاكرته، شارحاً بكلتا يديه «وانفصلت الصواريخ الكبيرة، وخيم الهدوء على المركبة. وبدأنا فك الخوذات التي كنا نرتديها. فيما مسامير صغيرة تتطاير، والأقلام، والأشياء غير المثبتة تسبح وهذا منظر كان جديداً بالنسبة لنا. وبدأ الغثيان، وازدادت آلام الظهر، والصداع الذي يفتك في الرأس، والوجه يتضخم بسبب ارتفاع السوائل».
ويتذكر «رغب الملك فهد، أن نأخذ معنا تمر المدينة. وكنا نضعه على المكتب، في علب صغيرة كتب عليها «خذ واحدة». وكثر زوارنا فقط لأخذ التمر!». وجاء الرائد جون ومعه التمر والماء. وقال لي: لأن الملك عندكم أعلن العيد، فالصيام انتهى، وهذا التمر لتفطر، لأن اليوم طويل. قلت له، لا أقدر، لأنني أمسكت وصمت على توقيت فلوريدا في الصباح. فسألني كم دقيقة بقي؟ قلت: نحو سبع ساعات!».
وكان يوم انطلاق الرحلة هو آخر أيام شهر رمضان، وأفطرت المملكة ذلك العام قبل الهلال «في اليوم الثاني، وأنا أستسلم للنوم جاءني رائد، وقال تعال بسرعة لموقع القيادة المفتوح على الأمام، فكانت المركبة مقلوبة طبعاً، ورأينا الهلال. وكتبت تقريراً للمملكة يؤكد أن العيد كان اليوم الثاني».
وصار للعرب رائداً أول
دارت المركبة حول الأرض 111 مرة ونصف المرة في كل 45 دقيقة، على ارتفاع 1.2 مليون قدم. وكانت مهمة المركبة إطلاق الأقمار الاصطناعية؛ ومركبة «ملارس» للفحوصات العلمية. وكانت أول تجربة برنامج الدرع الدفاعي الصاروخي. مرت سبعة أيام مرت صعبة مرهقة، كانت المركبة تدار إلكترونياً. ويقول: «أكرمني الله بقراءة القرآن يومياً، ساعة بسرعة قبل النوم. ولا زلت أحتفظ بمصحفي. وختمت القرآن في اليوم الذي جاء فيه اتصال الملك فهد ووالدي في اليوم السادس. كان مفاجأة كبيرة لأن المكالمة لم تكن مقررة».
ما بعد الرحلة
ما الهدف الحقيقي وراء رحلة الفضاء، هل كانت بالدرجة الأولى دراسات علمية وبحوث تشارك فيها المملكة؟
- الهدف من الرحلة لم يكن مغامرة، أو حتى تجارب علمية ناجحة فحسب، فالمملكة كانت تمر في مرحلة مهمة؛ مرحلة تنمية ضخمة جداً، تُضخ فيها أموال كثيرة، وبنيت خلالها مشاريع ضخمة، وشبكة طرق، وأهم جانب من جوانب التنمية الذي غفل عنه الناس «هو التنمية البشرية». الغريب في الأمر أن الملك عبدالله، وأنا استخدمت الكلمة التي ألقاها في افتتاح جامعة الملك عبدالله مرتين، أشار إلى أن حلمه بإنشاء الجامعة، كان قبل 25 عاماً. لا أعتقد أن الفكرة مرتبطة برحلة الفضاء، بقدر ما أنها مرتبطة بالتنمية، وبدأنا نمر بمرحلة ثورية جديدة في مجال التطوير العلمي. واستوعبت من كلمة الملك عبدالله ما يتعلق في رؤيته، باستعادة دور العلماء المسلمين، وكذا العالم العربي اليوم.
إذن لمَ لمْ يتم استنساخ الرحلة بطريقة ما؟ وأين الآثار العلمية والبحثية؟
- كان هناك أفكار فعلاً، وربما هذه معلومات جديدة أثيرها للمرة الأولى، وكان هناك نوع من التفاهم مع «ناسا». وأيده الرئيس لينق. ولما قابلت الرئيس العام 1985، في زيارة لأمريكا، وألقيت محاضرات في بعض الجمعيات العربية والأمريكية، كان الرئيس متحمساً جداً، حين كان الأمير بندر بن سلطان سفيراً للسعودية في واشنطن. وكان الأمير بندر يقود هذه العملية، ليكون هناك رائد فضاء سعودي، في مدة تراوح بين خمس إلى 10 سنوات.
لكن بعد رحلتنا بستة أشهر، ولمدة ثلاث سنوات، لم تنطلق أي مركبة في الفضاء. وكنت عدت، وقدمت تقاريري، وبعض التصورات الأساسية لإنشاء برنامج وطني للفضاء. واليوم في مدينة «الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية» احتُضن هذا البرنامج من قبل شخصين مسؤولين أصلاً في الرحلة، أحدهما عالم، وهو الأمير تركي بن سعود، وهو نائب رئيس المدينة، ومسؤول عن الفضاء، والدكتور محمد السويل، رئيس المدينة، المسؤول عن برنامج الرحلة ذاتها. وحققت المدينة خطوات متقدمة جداً، في عملية تصنيع الأقمار الاصطناعية. ولكن الطريق أمامنا لا يزال طويلاً. ونريد للمملكة في عهد الملك عبدالله، أن تخطو خطوات كبيرة، لا بد أن أحد المواطنين من الخبراء في البحوث العلمية الطبية، وأن يذهب إلى محطة الفضاء، ويقيم شهراً في برنامج علمي مكثف. وما زلت أعتقد أن هذا ممكناً، وحلماً قابل للتحقق.
ولم تأخرت هذه الخطوة؟
- انشغلوا هنا بتأسيس البنية التحتية لبرنامج فضائي وطني. وأنا أقدر ذلك. وأعتقد أننا جاهزون، والمملكة فيها علماء كُثر يعملون في مجال المكتشفات العلمية. ولكن أتمنى لو كانت هناك إمكانية عالية جداً، لمشاركة مواطن سعودي في رحلة فضاء، للعمل واستكمال التجارب العلمية التي يعمل عليها الخبراء هنا، والتي تعطي بعداً جديداً للبحث العلمي، ليسرع النتائج العلمية.
من باب الحديث عن الفضاء، وبما أنك رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، لماذا لا تستحدث سياحة فضائية؟
- تم تداول الفكرة، إذ قدم العام الماضي، فريقاً إلى المملكة، وعرض علينا أن نستثمر في برنامج سياحة الفضاء، لتصبح المملكة أحد مواقع الهبوط التي يأتي الناس إليها، بحيث ينطلقون من أمريكا، ويهبطون عندنا في المملكة، بحكم كبر مساحتها. ولكن لم نرَ هذه الفرصة ملائمة بالنسبة لنا، بأن نستثمر في أمر كهذا، بحيث يجهزون مركبتهم وطائرات تنقل مجموعات من الركاب كسياح إلى الفضاء، ومن ثم تنفصل عن المركبة الأم، ويدخلون الفضاء لمدة ثلاث دقائق، تسمى المدار المنخفض، ينظرون للأرض، ويهبطون بعدها في المملكة، فكر تجاري لسياحة الفضاء ليس إلا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.