تَشكّل في بريطانيا ائتلاف تاريخي لا سابق له منذ الحرب العالمية الثانية، هو الأول من نوعه بين حزبي المحافظين والديموقراطيين الأحرار اللذين جمعتهما المصلحة المشتركة على رغم الفوارق الكبيرة في سياساتهما. وبات زعيم «المحافظين» ديفيد كاميرون (43 سنة) أصغر رئيس وزراء للبلاد منذ نحو 200 سنة، وهو أول خريج في كلية «ايتون» المرموقة يتولى المنصب منذ ستينات القرن الماضي، وتربطه قرابة بعيدة بالملكة اليزابيث الثانية. وتولى كاميرون المنصب بعدما أقر حزب المحافظين ليل أول من أمس، الائتلاف الحكومي مع «الديموقراطيين الأحرار» والذي يقضي بتعيين زعيمهم نيك كليغ (43 سنة) نائباً لرئيس الوزراء، كما يقضي بإسناد أربع حقائب وزارية الى محازبي الأخير. وفور استقبال الملكة كاميرون وإبلاغه قرارها تعيينه إثر استقالة سلفه غوردون براون مساء الثلثاء، بدأ رئيس الوزراء الجديد توزيع الحقائب الوزارية على أبرز أركان حزبه. وأسند وزارة الخزانة لجورج أوزبورن والخارجية لوليام هيغ والدفاع لليام فوكس، وأُسندت الداخلية الى تيريزا ماي التي ستتولى أيضاً شؤون المرأة والمساواة، فيما يتولى كين كلارك منصب وزير العدل وأندرو لانزلي الصحة. هيغ ... سياسة مميزة ويعتبر هيغ أبرز الوزراء في الحكومة المعينة اذ سبق وان تولى زعامة حزب المحافظين بين حزيران (يونيو) 1997 وأيلول(سبتمبر) 2001، ثم عاد نائباً لزعيم الحزب ووزير خارجية الظل في حكومته منذ كانون الأول (ديسمبر) 2005. وتعهد هيغ اعتماد سياسة خارجية مميزة للملكة المتحدة تعيد اليها مكانتها المرموقة بعد مرحلة من التبعية للولايات المتحدة. وفي صفوف «الديموقراطيين الاحرار» أُسند منصب وزير شؤون اسكتلندا إلى داني ألكسندر، كبير مستشاري كليغ وأحد أبرز أعضاء الفريق الذي خاض محادثات تشكيل الحكومة الإئتلافية مع « المحافظين» في أعقاب الانتخابات الأخيرة. وأُسندت وزارة «شؤون الأعمال والمصارف» إلى فينس كيبل، الناطق باسم شؤون الخزانة في حزب الديموقراطيين الأحرار، كذلك يُتوقع أن يتبوَّأ 20 من أعضاء الحزب مناصب مختلفة في الادارة الجديدة. قرارات صعبة وأتى تعيين كاميرون بعد يوم من التطورات المتسارعة الثلثاء، انتهت بوضع حد ل 13 سنة من حكم حزب «العمال» بزعامة براون. وفي أعقاب تسلّم مهامه رسمياً بعد لقائه الملكة، تعهَّد كاميرون أمام مقر رئاسة الوزارة في «10 داوننغ ستريت» تشكيل ائتلاف حكومي قوي وتنحية الخلافات الحزبية مع «الأحرار». وأشار كاميرون إلى وجود قرارات صعبة يجب أن تُتخذ في المستقبل من أجل معالجة المشاكل التي تواجه البلاد، ومنها العجز في الموازنة. وأوضح أن من المهم للحكومة أن تبقي الشعب على اطلاع ودراية بكل ما يجري، وتعهَّد باستشارة البريطانيين بالقرارات الصعبة المقبلة. في الوقت ذاته، حضّ كليغ المتشكين في حزبه على أن يظلوا مؤمنين بما يقوم به، وبنهج الحزب الذي دخل للمرة الأولى في تاريخه صفقة إئتلاف حكومي. براون يعتزل في المقابل، قال براون الذي تحدث للصحافيين والى جانبه زوجته أمام «10 داوننغ ستريت»، إن عمله رئيساً للوزراء كان «تشريفاً له»، وأنه يتمنى الخير والتوفيق لخلفه كاميرون. كما قال براون إنه سيتنحَّى عن مقعده البرلماني في اسكوتلاندا ويعتزل السياسة نهائياً. ويأتي قرار براون بعد اتفاق المحافظين والديمقراطيين الأحرار على صفقة لتشكيل ائتلاف حكومي بينهما في أعقاب انتخابات الخميس الماضي، التي لم تعط أياً من الاحزاب الثلاثة الكبرى في البلاد غالبية لتشكيل حكومة بمفرده. وبعدما كان أمضى 10 سنوات كوزير للخزانة، خلف براون توني بلير في رئاسة الحكومة وزعامة حزب العمال في حزيران (يونيو) عام 2007. وفي خطاب الوداع المشحون بالعاطفة، قال براون إنه « أحب عمله». وأضاف: «أتمنى الخير لرئيس الوزراء المقبل الذي سيكون على عاتقه اتخاذ قرارات مهمة من أجل المستقبل». اميركا واوروبا في واشنطن، أكد الرئيس الاميركي باراك اوباما لرئيس الوزراء البريطاني الجديد أنه ملتزم «بعلاقة خاصة» بين بلديهما ودعاه إلى زيارة العاصمة الاميركية هذا الصيف. وقال اوباما في بيان بعد إتصال هاتفي أجراه مع كاميرون لتهنئته، ان «الولاياتالمتحدة ليس لها صديق أو حليف أوثق من المملكة المتحدة، وجددت إلتزامي العميق والشخصي بالعلاقة الخاصة بين بلدينا، انها رباط استمر لأجيال عبر مختلف الاتجاهات الحزبية، وذلك ضروري لأمن وازدهار بلدينا والعالم». وفي بروكسيل، أبرزت المفوضية الاوروبية الحاجة الى ردود أفعال مشتركة في مواجهة التحديات الاقتصادية في رسالة تهنئة بعثتها الى كاميرون. ويشعر عدد كبير من زعماء أوروبا بالقلق من وصول حزب المحافظين اليميني الوسطي الى السلطة لأن الحزب ينتهج سياسة أقل وداً تجاه الاتحاد الاوروبي من حكومة «العمال» السابقة. وصرح رئيس المفوضية جوزيه مانويل باروزو بأن حكومة كاميرون تواجه «خيارات صعبة في أوقات صعبة»، لكنه أعرب عن ثقته بأنها ستختار المسار الصحيح لإخراج بريطانيا من الأزمة ووضعها على طريق نمو دائم. وكتب في رسالته: «باسم المفوضية الاوروربية، أود ان أقدم لكم أحر تهاني لانتخابكم رئيساً لوزراء المملكة المتحدة. ان الكثير من التحديات المنتظرة بما في ذلك تحقيق انتعاش اقتصادي ومحاربة الفقر على مستوى العالم والتعامل مع التغير المناخي وضمان تأمين الطاقة هي (تحديات) مشتركة في شتى انحاء الاتحاد الاوروبي وتتطلب رد فعل مشتركاً». وأكد باروزو انه يتطلع الى العمل مع كاميرون في تلك القضايا وغيرها مثل دعم السوق الداخلية وتعزيز «قواعد أذكى» ومزيد من الشفافية ومزيد من المساءلة في الاتحاد الاوروبي. ويتوقع على نطاق واسع ان يحرص كاميرون على ان يثبت لأعضاء حزبه المتشككين في التوجه الاوروبي، انه سيدافع بشدة عن المصالح البريطانية داخل الاتحاد الاوروبي. لكن مسؤولين أوروبيين يرون انه رجل عملي سيحرص على التعاون مع باقي دول الاتحاد أكثر من الدخول في عراك معها.