تختبئ خلف أرقام الإنتاجية في السعودية معادلاتٌ مركبة التعقيد، فقائمة صندوق النقد الدولي للناتج القومي لكل فرد في عام 2009 تضع السعودية ضمن دول الربع الأول، وفي المقابل لا تخلو أخبار نقاشات أعضاء مجلس الشورى وتصريحات المسؤولين السعوديين من مفردات «الفساد» و«الإهمال» و«التأخير»، وتبقى حكايات الإجراءات المعقدة في إنهاء المعاملات في الجهات الخدمية فاكهة المجالس السعودية. وليس سراً أن يشاع أن حافز الموظف السعودي إلى العمل لا يزال محصوراً في خانتي الحاجة المادية والنظرة الاجتماعية، محكوماً بالعادات والتقاليد في ظل غيابٍ واضح لتأثير الانتماء الوطني على العمل والإنتاج. مناهج التعليم غابت طويلاً عن تحدي ذهنية الطالب لاكتشاف العلاقة بين الوطنية والعمل. وأخيراً، حضر منهج «المهارات الحياتية والتربية الأسرية» لطلاب البرنامج المشترك في المرحلة الثانوية (الثانوية المطورة)، بديلاً عن مادة «التربية الوطنية»، ومقارباً لمواد المرحلة الجامعية التي وضعت بدورها لتلائم متطلبات سوق العمل، ليضم موضوع «تنمية الوعي الاجتماعي والولاء الوطني» ويضعه أخيراً في وحدته الخامسة. وينحصر واجب المواطن تجاه الدولة في العلاقة المباشرة، بحسب مفردات المادة، في جانب العمل في سطر واحد هو «الإسهام في تنمية الاقتصاد الوطني بالعمل المنتج المتقن»، من دون التفريق بين مصطلحات «الدولة» و«الحكومة»، وواجبات المواطن في حال لم تقم بعض أجهزة الحكومة بواجباتها. ويكفي الطالب لمعرفة ما يحصل على الأرض ومقارنته بنظريات الكتب أن يزور خلال إحدى زياراته المدرسية مرفقاً حكومياً لا يرفع العلم السعودي أو يرفع علماً قد اهترى، أو أن يتابع سرعة الإنجاز والإنتاجية في علاقته الأولى مع الجهات الحكومية، وتحديداً مع إدارة الأحوال المدنية عند إصداره لبطاقة الهوية الوطنية الأولى. ومنذ الثمانينيات، خرجت الدراسات الأكاديمية لتلصق بالسعودي صفة «الأقل إنتاجية». وفي دراسة حديثة عام 2007، استشهد رئيس الإدارة الهندسية في مصفاة ينبع للزيت التابعة لشركة أرامكو السعودية الدكتور عبدالله إدريس بدراستين إحداهما وضعت العامل السعودي في عام 1986 «أخيراً» ضمن دول العالم الثالث لناحية الإنتاجية، وأشارت إلى غياب تحفيز الموظف السعودي على البقاء في الوظائف المتدنية، فيما ذكرت الأخرى عام 2007 أن 25 في المئة من العاملين السعوديين في القطاع الخاص لا ينتظمون في أعمالهم. ورمت دراسة «الحواجز الثقافية في تطوير الأداء في السعودية» للدكتور إدريس اللوم على الحياة السعودية في فترة السبعينيات والثمانينيات، والتي أوجدت جيلاً من السعوديين لا يرغبون إلا في الأعمال الإدارية، ويفضلونها على الأعمال اليدوية، على اعتبار ما كانوا يرونه من المظاهر المعيشية الفخمة التي عاشها آباؤهم. واقترحت الدراسة، التي تناولت 5 من كبرى الشركات العاملة في السعودية، التكاتف بين المؤسسات الكبرى ووزارات التعليم ووسائل الإعلام لزيادة الوعي بأهمية العمل وزيادة الإنتاجية، كما اقترحت الاهتمام بالمسارات المهنية والمراقبة المستمرة لأداء العاملين ومراجعة الرواتب والحوافز للعاملين، إضافة إلى نقل واقتباس أفضل الممارسات المهنية من داخل المؤسسات وخارجها، واستقطاب العقليات الإدارية من الدول المتقدمة إلى جانب السعوديين لتعميم البيئة الحافزة وتطبيق أفضل الممارسات في الإدارات. يذكر أن وزارة العمل سعت في استراتيجية الوزارة الصادرة أخيراً إلى وضع هدف «زيادة إنتاجية العامل السعودي لتقابل معايير الإنتاجية في الدول الاقتصادية المتقدمة» ضمن أهداف الوزارة في خطتها التي تمتد حتى عام 2025 في القطاع الخاص من دون القطاع الحكومي.