الحمار صديق وفيّ لعمّال النظافة في مدينة القصبة العتيقة أعالي العاصمة الجزائرية، في رحلاتهم الشتوية والصيفية بين الأزقة الضيقة. «بفضل هذا الحيوان يكسبون قوت يومهم، كيف لا وهو يشاركهم أيضاً في التعب اليومي لأجل أجرة آخر الشهر»، يقول بوعلام كحلي ل «الحياة». ويفيد: «من دون الحمار، جامع النفايات هنا لا يساوي شيئاً»! تعوّد بوعلام (46 سنة) منذ سنوات، مصاحبة الحمار يومياً. عند صلاة الفجر، يذهب الى الاسطبل الذي تديره مؤسسة النظافة لولاية الجزائر، إذ يستعان بالحمير هنا رسمياً عوضاً عن شاحنات جمع النفايات! يأخذ بوعلام حماره ويستفتح رزقه بالدخول إلى حي القصبة العتيق حيث يعمل و30 آخرين على تنظيف أزقة المدينة القديمة من النفايات. ولكن، وسيلة جمعها ونقلها إلى مركز تجميع النفايات، تتمثل في قفّة مصنوعة من خشب الدوم تُحمّل على ظهر ثمانين حماراً يومياً. وفق سكان القصبة، فإن هذه العملية مستمرة منذ أكثر من قرن... ويبدو أن عقارب الساعة توقفت في أحياء القصبة التي يطلق عليها أهل العاصمة «زنيقات»، نهاية القرن السادس عشر حين بنى العثمانيون المدينة بعد احتلالها. فهي تطل على البحر المتوسط من علوّها وكأنها تحرس الجزائر وتراقبها بعيداً من ضوضائها. كل شيء تغيّر في العاصمة، فيما بقيت القصبة العتيقة على حالها. غادرها من غادر وبقيت فيها عشرات العائلات المتشبثة بما هو قديم. فحواري المدينة لا تزال ضيقة الى درجة أن السيارة لا يمكن أن تدخلها، ما يجعل جمع النفايات فيها ضرباً من ضروب الخيال! لذا استعانت البلدية بالحمار. ويقول صالح أحد عمّال النظافة أن عمله يبدأ بعد صلاة الظهر، مضيفاً أن «جمع نفايات الدكاكين والسوق الشعبي وما تخلفه البيوت من قمامة بعد السادسة مساء، ثقيل ومضنٍ، الأمر الذي يضطرني الى مسايرة الحمار ليقدر على المشي بين الأزقة الضيقة وعلى ظهره حمل ثقيل». ويفيد صالح: «نمشي أنا والحمار يومياً أكثر من ست ساعات، في رحلات الذهاب والإياب لأكثر من عشرين مرة. النسق العمراني هو السبب نمط القصبة المعماري وأسلوب تنظيم منازلها جعلا مهنة هؤلاء العمال شاقة، كما يقول الباحث في التاريخ العثماني عبدالرحمن حدو ل «الحياة». ويشير إلى أن النسق العمراني للقصبة يفرض عليهم الاستعانة بالحمير لجمع النفايات وتنظيفها من الفضلات، كما هي الحال بالنسبة لنقل الأغراض والأثاث. الحمار لا يكلّ ولا يمل من حمل ما تيسر من النفايات، إذ يمكنه حمل ما بين 120 الى 150 كيلوغراماً. وهو بات صديقاً حميماً للعمال وللسكان وصورته مألوفة في حواري المدينة التاريخية، كما يعرف مختلف أبوابها ومسالكها المتشعبة والضيقة. تتجول الحمير على مساحة تقدر ب 100 هكتار، لجمع نفايات 50 ألف ساكن في القصبة العتيقة. وفي انتظار إنهاء عمليات ترميم هذا المعلم التاريخي والصرح السياحي وترحيل سكانه الذين يرفضون ترك مسقط رأسهم، يظل عمال النظافة مضطرين الى الاستعانة بالحمير.