هل يوجد نقد تكتبه المرأة في السعودية، أو بمعنى آخر هل لدينا نقد نسائي؟ وفي حال الإجابة بنعم، ما مواصفات هذا النقد؟ وبماذا يختلف عما يكتبه الرجال؟ وعلى صعيد النقد الذي تكتبه النساء، هل هناك فرق بين ما تكتبه الناقدة الأكاديمية، وتلك التي فقط تعتمد على موهبتها وثقافتها؟ وفي كل الأحوال يمكن القول إن هناك نقوداً كثيرة ودراسات وجدت طريقها إلى كتب، كما أن عدداً من الباحثات أنجزن رسائل علمية حول روايات وشعر ومختلف أنواع الأدب، وكلها يمكن أن تشكل أرضية نقدية عميقة لبنتها الأساسية هي المرأة. ولكن كيف تنظر المرأة نفسها إلى ما تكتبه من نقد؟ هل ينطلقن من رؤية واحدة ومن شعور بالتعاطف مع بعضهن البعض وبضرورة التشجيع، أم أن العمل النقدي الرصين والجاد يفرض نفسه، وبالتالي ليس في حاجة إلى من يدافع عنه، سواء من النساء أو الرجال؟ «الحياة» سعت إلى استطلاع آراء عدد من الناقدات حول النقد النسائي. فإلى التفاصيل. اعتبرت الناقدة لمياء باعشن أن حضور النقد النسائي «نسبي». معللة ذلك «بأن حتى الناشطات في جانب النقد لديهم مشكلة وهي أن هذا ليس بعملهم، وهذا ما عزز جانب الهوة بين الأكاديمية والمشهد الثقافي، حيث يعشن الانقسام بين الحياة والعمل وبين الجامعة التي في غالب لا توفر مؤتمرات ومنديات، وهو ما يساعد على نهوض الأدب والنقد، ولكنها مكتفية بدورها النظري البحت». ونفت باعشن أن يكون هناك شللية في المشهد الثقافي، يسهم في حجب الاسم النسائي، «بالعكس الباب مفتوح على مصراعيه، حيث يتم الترحيب بكل عطاء ومجهود يقدم، بل هناك تلهف وشوق جعل الساحة بحاجة إلى تقنين وشيء من التصفية». واعتبرت أن هناك فرقاً بين الناقدة الأكاديمية وغير الأكاديمية، «حيث يتوافر في الأكاديمية المخزون العلمي الذي يساعدها على الالتزام المنهجي وتقديم رؤية نقدية متينة، مبنية على أسس معرفية». وأضافت: «أما غير الأكاديمية فهي تعتمد على الموهبة التي هي من قام بصقلها، وهو ما يوقعها في شيء من الانفتاح غير المنضبط على النظريات النقدية». وأكدت أن هناك مجموعة من الأكاديميين أسهموا، بسبب تعاليهم، «إلى تشويه صورة الأكاديمي وجعل صورته في نظر الآخرين صارمة بشكل مبالغ فيه، وأن همهم فقط هو المفاخرة بما يملكون من علم مع الحط من قدر الآخرين عموماً». بدورها عبرت الناقدة شمس المؤيد عن تشاؤمها من الحركة النقدية المحلية عموما، وأن النساء اقل حظاً من الرجال وذلك لتأخرهن في دخول الساحة الأدبية، «على رغم من وجود مجوعة طيبة من الناقدات السعوديات، بعضهن أكاديميات ويسبق أسماءهن حرف الدال وبعضهن ما زلن يواصلن دراساتهن العليا، وأخريات قد يكون احترافهن النقد من باب الهواية». وقالت: «نحن نفتقد فعلاً القراءات والدراسات النقدية الجادة في مشهدنا الثقافي، وربما مرد ذلك يرجع إلى عدم وجود الكثير مما ما يستحق النقد فعلاً». ونفت أن يكون هناك ابتعاد للنقد النسائي، لكنها قالت إن هناك تكاسلاً، «لأنه ربما لا يوجد ما يشجع على بذل الجهد على رغم الطفرة الروائية الحالية، وعلى رغم وجود عدد من الكتابات القصصية والإبداعات الشعرية، ولكن بشكل عام فالموجود يمكن وصفه بأنه ما زال في دور التجريب ولا نزال بانتظار الأفضل». وأضافت: «عدم وجود المنجز الإبداعي المميز ربما هو الذي يجعل الناقد أو الناقدة لا يجد الحماسة الكافية لتقديم دراسات نقدية متكاملة، وربما يكون المستقبل أفضل من ناحية ظهور المنجز الإبداعي المحرض للنقد». وذكرت المؤيد أن تهمة محاربة الأسماء النقدية النسائية غير صحيحة، «فكل من يكتب ولديه ما يقوله يجد الأبواب مفتوحة، بالعكس أجد أن الناقدات يجدن الفرص أمامهن أفضل من إخوانهن النقاد، وهذا رأيي، وقد لا يوافق البعض عليه، ولكن من تجربتي الخاصة لم أجد هناك أي صعوبات في نشر قراءاتي النقدية». واعتبرت الشهادة الأكاديمية غير مهمة، «ولكن هناك ما يسمى بحاسة النقد، وهي موهبة لدى الناقد يصقلها بالقراءة والدراسة والبحث والاطلاع على المنجزات النقدية الحديثة والقديمة». وأكدت أنه لا يوجد هناك تنافر بين الناقدات الأكاديميات وغير الأكاديميات، «بل بالعكس أرى أن غير الأكاديميات يستفدن من قراءاتهن لبحوث ودراسات الناقدات الأكاديميات، ويتعلمن منهن الطرق والمناهج الأدبية، وفي النهاية الباب مفتوح للجميع، ولكل مجتهد نصيب بصرف النظر عن حمل حرف الدال من عدمه». ورأت خلود الحارثي أن «النقد النسائي يتفوق أحياناً على النقد الذكوري». رافضة أن يكون للعنصر الرجالي دور في نفي الصوت النسائي من عالم النقد، «وهذه حجة من يمثل دور الضحية، والسيدة التي تمسك قلما وتنتقد لا تكون ضحية ولا تحب هذا الدور، وأيضاً لا يوجد كسل أنثوي، فالأنثى بطبعها ليست كسولة فكيف إذا كانت ممن دخل بوابة الأدب والنقد». وأضافت: «هناك بعض المشاغل التي تعوق الأنثى عن التواصل الدائم لذلك تنقطع لكنها لا تلبث أن تعود بشوق للإبداع». وسخرت الحارثي مما سمّته ب «انتهاء الفتنة بين النساء والرجال لتشتعل بين النساء والنساء». ولكن استدركت، وقالت إنه لا يوجد تنافر بين الأكاديميات وغير الأكاديميات، «فمعظم الناقدات لدينا هن دكتورات أو في طريقهن لنيل هذه الدرجة وليس للتنافس بينهن أو الغيرة، ولكن لطموحهن بأن يكونوا أفضل ولديهن أدوات أكثر تطوراً». أما الناقدة سماهر الضامن فاعتبرت أن هناك اتهاماً لناقدات بالقصور، «لا يكفي هنا أن نقر بتخلف المنجز النقدي النسائي عن نظيره الذي يؤديه الرجال، كما لا يخفى على مراقب أو متابع، لأننا نحتاج إلى الدخول في تفاصيل كثيرة لتبرير هذا الخلل؛ فالمرأة وإن أتيح لها في عصر الثورة الاتصالاتية والمعلوماتية، أن تحتك بمصادر المعرفة وتتعامل معها بدرجة تكاد تكون متكافئة مع الرجل، إلا أن الظروف التي يعملان فيها ما زالت غير متكافئة». وأضافت: «ما زالت المرأة مضطرة في الغالب إلى العمل على توفير الوقت وتهيئة الظروف للرجال وسواهم لكي يبدعوا ويطوروا قدراتهم على حساب وقتها وقدراتها، وما زالت مضطرة إلى التخلي عن كثير من طموحاتها بسبب الاعتبارات المجتمعية والعادات والأعراف التي درج عليها الناس، هذا ما كانت تقوله فرجينيا وولف قبل قرنين من الزمان، وهذا هو واقع حال المرأة العاملة والناقدة والكاتبة حتى يومنا هذا. أضف إلى ذلك كل المعوقات المعروفة محلياً على وجه التحديد التي تحد حركة المرأة وتعطل قدراتها وتضطرها إلى بذل جهد مضاعف لتصل لنتيجة يمكن للرجل أن ينجزها بجهد ووقت أقل». وعدت الضامن أن تغير المنجز النقدي مرتبط ب«الظروف التي يعمل فيها الطرفان غير المتكافئة فمن الإجحاف والقسوة أن نعقد المقارنة فضلاً عن أن نطالب بتساوي المنتج والمنجز سواء من ناحية الكم أم حتى من ناحية الكيف». مؤكدة أن «هذا ليس هذا دفاعاً عن القصور اللافت في المنجز النسائي، بقدر ما هو إقرار بواقع الحال». ولفتت إلى أن «الإقصاء الذكوري والكسل الأنثوي أقل وأخف ما يمكن الإشارة إليه هنا، بصدق لا أعلم كم من الناقدات والنقاد تتطابق حركتهم وصيغتهم الشخصية مع حركتهم وصيغتهم النقدية والكتابية. ولعلي هنا أفضل الصمت فالكلام قد يكون ثقيلاً!»، مؤكدة أن هناك تنافراً بين الأكاديميات وغير الأكاديميات في المجال النقدي، «فهو تنافر بين تيارين طالما تنافس كل منهما على تسيد المشهد الثقافي، وطالما تكايد أطرافهما؛ التيار الأكاديمي برصانته وضوابطه وثقله التي قد تبلغ حد الجمود أحياناً، يجد دائماً أن كل من يمارس النقد خارج نطاقه مدعٍ ودخيل وغير مؤهل ولا يعتد به وعليه أن يخلي المجال لأصحاب الشأن والتخصص، بينما التيار اللاأكاديمي بانطلاقه وتحرره وخفته يجد أن الأكاديميين مكبلين تحت وطأة الضوابط والشروط والتقليدية، ومشحونين بالاستعلاء والنظرة الوصائية، فضلاً عن أنهم لا يجيدون الكتابة الحيوية والغنية والمنطلقة التي يوفرها البعد عن المجال الصارم الذي يحصر فيه الأكاديميين أنفسهم. وبين النساء من أكاديميات وسواهن توجد هذه الأفكار والمكايدات كما توجد بين الرجال أيضاً».