يقول مندوب الأممالمتحدة الخاص للصومال أحمدو ولد عبدالله إن المعارضة الصومالية تكرهه بسبب تجرؤه على دفع المصالحة إلى الأمام في هذا البلد الغارق في الفوضى منذ ما يقارب عقدين من الزمن. المعارضة تقول إن الأمر عكس ذلك، فهو في رأيها جزء من المشكلة وليس جزءاً من الحل. ومهما كان الأمر، فإن كثيرين من الساسة الصوماليين يلتقون بلا شك على كره أحمدو ولد عبدالله، وخصوصاً الإسلاميين منهم الذين سيقتلونه على الأرجح إذا ما وضعوا أيديهم عليه. وينبع جل هذه الكراهية للممثل الأممي المكلف المسؤولية الجليلة لتشجيع إعادة الأمن والاستقرار إلى الصومال، من حشده التأييد للحكومة الصومالية التي تحب المعارضة تسميتها ب «حكومة ولد عبدالله» أو «حكومة الردة». ففي نيروبي، حيث مكتب الممثل الدولي، فإن حراساً متيقظين يتأكدون من هوية الأشخاص الراغبين في زيارة مكتبه المتواضع. وتقول إمرأة في زي أمن الأممالمتحدة لمراسل «الحياة» قبل السماح له بالتوجه إلى مكتب عبدالله: «لا بد من أن أعرف من أنت قبل أن أسمح لك بمواصلة السير إلى مكتبه، لأن الصوماليين قد يقتلونه». وفي البوابة الخارجية لمكتبه، أُوقف المراسل مرة ثانية من أحد الحراس قبل أن يُسمح له بالتقدم إلى المكتب. وعلى رغم ذلك الحذر والخوف على حياة المندوب الأممي، فإن عبدالله لا يتردد في الخوض في غمار الحالة الصومالية التي يقول عنها إنها تتعافى من «عقاب إلهي» و «سياسات سيئة»، وهما أمران لم يستطع التغلب عليهما منذ أن عُيّن في منصبه في أواخر عام 2007. ويقول عبدالله في مقابلة مع «الحياة» أخيراً: «لم أشعر بالإحباط في أي وقت من الأوقات. ليس من عادتي أن أشعر بالإحباط»، مضيفاً أنه كان يعتقد أن لديه «العصا السحرية» لحل المشكلة الصومالية «وما زلت أشعر بذلك». إلا أنه يقول إن كل شيء يعتمد على جدية السياسيين الصوماليين في الوصول إلى حل وسط، وهو أمر لا يأتي إلا بعد أن يتنازل الطرفان عن بعض مواقفهما من أجل الصالح العام. ولكن نُقّاد عبدالله يقولون إن مندوب الأممالمتحدة لا يريد أن يساعد الصومالين في تحقيق السلام في بلدهم، إذ إنه يؤيد، مسبقاً، الحكومة الهشة التي لا تتمتع بكثير من الشعبية على حساب البحث عن إجماع وعن إدارة تجمع جميع الأطراف المتناحرة في الصومال. ويقول السفير السابق للصومال لدى الأممالمتحدة بين عامي 2001 و2005 أحمد حاشي إن عبدالله «لا يمكن أن يكون وسيطاً نزيهاً. فالوسيط النزيه يتحدث إلى جميع الأطراف، لكن أحمدو ولد عبدالله لا يريد أن يتحدث إلى الجماعات المعارضة». وتقول المعارضة الصومالية إن المندوب الأممي يستغل منصبه لكي يعمّق الخلافات بين الصوماليين خدمة لمصالح دول أجنبية وبخاصة المصالح الإثيوبية والأميركية منها. ومن المظالم التي يشتكي منها السياسيون الصوماليون ويقولون إن عبدالله ارتكبها في حق الشعب الصومالي والمعارضة، تقسيمه «تحالف إعادة تحرير الصومال» إلى قسمين في عام 2008، وإعطاؤه القوات الإثيوبية التي وقعت في الرمال المتحركة الصومالية طوق نجاة من خلال عقده مؤتمراً ضم الحكومة مع القسم المنشق من المعارضة. كذلك يشكو معارضون من «التحكّم المطلق» لولد عبدالله بكل المبادرات ومؤتمرات المصالحة الخاصة بالصومال. وأصدر أكثر من 300 نائب في البرلمان الصومالي بياناً شديد اللهجة في بداية هذا الشهر دانوا فيه الممثل الدولي واعتبروا انه «المسؤول عن الأزمتين السياسية والقانونية الخطيرتين في داخل المؤسسات الحكومة الفيديرالية الموقتة». ويقول البيان الذي حصلت «الحياة» على نسخة منه «إن المندوب الخاص للأمين العام قد أدار ظهره في شكل صارخ للاتفاقات التي أنيطت به أن يشرف عليها ليتأكد من تنفيذها ودعمها». وهذه الاتفاقات التي يتحدث عنها البيان هي النتيجة التي تمخّض عنها مؤتمر المصالحة الصومالية الذي دعمته الأممالمتحدة والذي عُقد في جيبوتي في عام 2008 بهدف إحلال المصالحة بين الحكومة الصومالية بقيادة أمير الحرب السابق عبدالله يوسف ورئيس المعارضة شيخ شريف شيخ أحمد الذي انشق عن زملائه ليتفاوض مع حكومة رفضت المعارضة التفاوض معها طالما بقيت القوات الإثيوبية في الصومال. وكان الإثيوبيون قد انسحبوا من الصومال بعد عامين من الإحتلال البغيض. وتقول آمنة ورسمي الناشطة والعضو في «تحالف إعادة تحرير الصومال» الذي كان هدفه إخراج القوات الإثيوبية من الأراضي الصومالية، والذي اتخذ من العاصمة الإريترية، أسمرا، مقراً له، «إن الإتفاق الذي تم على عجل بين الطرف المنشق من المعارضة وبين الحكومة لم يجلب الأمن إلى الصومال. ولم تنتج عنه حكومة فاعلة». وفعلاً، لا يختلف وضع الصومال عما قالت عنه ورسمي. فالحكومة الصومالية التي تدعمها القوى الغربية محشورة في أحياء محدودة من العاصمة، مقديشو، بينما الجماعات الإسلامية المناهضة لها والعازمة على خلعها تحكم بقية الأقاليم الوسطى والجنوبية في البلاد. كما لا توجد وزارة واحدة تشغل في شكل مستمر، بينما البرلمان في أزمة حادة بين من يقول إن مدة رئيس البرلمان شيخ آدم مدوبي قد انتهت في آب (أغسطس) الماضي بينما آخرون يقولون إنها ستنتهي العام المقبل. ويقول نقّاد ممثل الأمين العام إن الطريقة المثلى لتحقيق الأمن في الصومال كان من خلال عقد مؤتمر مصالحة يضم جميع الأطراف المتناحرة في البلاد وبخاصة بعد استقالة الرئيس السابق عبدالله يوسف في أواخر عام 2008 بعد تعرضه لضغط داخلي وخارجي ليمهّد الطريق إلى حكومة جديدة. لكن عبدالله يرفض كل هذه الإتهامات قائلاً «إن على السياسيين الصوماليين أن يواجهوا الحقيقة وأن يتنازلوا من أجل بلدهم ودينهم وأطفالهم وكرامتهم». ويضيف: «قلت لنفسي إن هؤلاء الناس في حرب؛ وأطفالهم تموت؛ إنهم يعيشون على نفقة الهيئات الإنسانية وتحت ملاجئ موقتة. ولذا فلا أقبل بأن نقيم حفلات ماجنة». ويقول عبدالله إن الصومال، مثل كثير من مناطق النزاعات في أفريقيا، تعاني من انتهازيين - صوماليين وغيرهم - يستغلون الفوضى في هذا البلد العربي الواقع في شرق القارة السمراء لمصالحهم الشخصية. ولا شك في أن عامل الوقت الذي تولى فيه عبدالله منصبه الجديد وأفعاله أثناء الإحتلال الاثيوبي زادا من مقت كثير من الصوماليين له. فقد كان الصومال حينها يرزح تحت إحتلال إثيوبي أدى إلى إندلاع مواجهات شبه يومية بين المعارضة وبين القوات الإثيوبية. وقد تغيّرت ملامح العنف الدموي في الصومال إلى الأبد منذ دخول الإثيوبيين إلى البلاد: فقد أصبح الإنتحاريون الذين يفجرون أنفسهم أو عربات يقودونها ضد القوات الإثيوبية والصومالية مشهداً معتاداً؛ كما أضحى مشهد قصف المناطق الآهلة بالسكان شيئاً لا مفر منه، مما حمل نصف سكان العاصمة - أي قرابة مليون شخص - إلى الخروج من منازلهم بعد تزايد عدد الضحايا المدنيين الذين يسقطون نتيجة القذائف الطائشة. ولذا فقد كان الصومال في عام 2007 في أمسّ الحاجة إلى من ينقذه من هذه الويلات. لكن سياسيين صوماليين يقولون إن أفعال ممثل الأمين العام وأقواله لم ترق إلى مستوى الحدث كونه لم يدن الإثيوبيين واحتلالهم علناً. وقد سألت «الحياة» ممثل الأمين العام عن رأيه الشخصي أو الرسمي في إتهامات منظمات حقوقية للإثيوبيين بجرائم حرب ارتكبتها قواتهم في أثناء احتلالها في الصومال. إلا أنه لم يجب بطريقة مباشرة، قائلاً «إن المشكلة هي في السياسيين». ويقول ممثل الأمين العام إن السياسيين الصوماليين طلبوا منه إقناع الإثيوبيين بالإنسحاب من الصومال قائلين: «لن يكون هناك قتال في اليوم الثاني بعد انسحابهم. ولكن لم تتوقف الحرب حتى بعد تركهم الصومال، ولم تنته مشكلة الصومال بانسحاب الإثيوبيين». وقبل توليه منصبه الحالي، عمل عبدالله مندوباً للأمين العام في بوروندي وإقليم دارفور السوداني المضطرب. ويقول إنه لم يقفز من أجل الفرح عندما عُيّن لمنصب ممثل الأمين العام للأمم المتحده في أيلول (سبتمبر) عام 2007 إلا أن خاطرتين طرأتا على ذهنه: الخاطرة الأولى كانت إن أصل مشكلة الصومال هو جشع السياسيين وأن بحثهم عن السلطة أدى ببلدهم إلى هذا الوضع المأسوي؛ والخاطرة الثانية كانت إن الصوماليين خالفوا التعاليم الآلهية وأنهم الآن يمرّون بمرحلة كفّارة (عن الذنوب). بيد أن عبدالله يقول «إن المأساة الصومالية الإنسانية لا بد أن تحل»، مضيفاً: «لا أعتقد أنها عصية على الحل». ويختلف عبدالقادر حاج محمود دكني مع رأي الممثل الدولي، قائلاً «إنه فشل في مهمته، ولذا عليه أن يستقيل». ويقول دكني الذي عمل وزيراً في مكتب رئيس الوزراء في حكومة عبدالله يوسف بين عامي 2005 إلى 2007، قبل أن يستقيل وينضم إلى المعارضة بعد دخول القوات الإثيوبية للصومال في 2006 «إنه (أي عبدالله) أسوأ ممثل خاص للأمين العام للصومال منذ محمد سحنون، الديبلوماسي الجزائري، في التسعينات. لقد تدهور كل شيء منذ توليه المكتب».