لا شيء في مدينة زحلة التي زاحمت إعلام دول «المونديال» صور مرشحيها يشي بأن ثمة انتخابات بلدية يتنافس فيها المرشحون للفوز بمقاعد بلدية خدمة لناسهم وإن أجريت تحت غطاء إنمائي. عروس البقاع التي استفاق أهلها على انتشار كثيف لوحدات من الجيش وقوى الأمن الداخلي، ازدانت شوارعها بلافتات حملت عناوين تنموية، لكن الواقع على الأرض بفعل الانقسامات السياسية الحادة أبعد ما يكون عن الطابع البلدي، إذ ان ما ستفرزه نتائج الانتخابات بالسياسة سيكون اكثر وقعاً وتأثيراً، وقد يطغى على الانتخابات النيابية على ما قال ل «الحياة» احد أقطابها المخضرمين. وفيما تركت الاعتبارات الطائفية والحزبية والعائلية بصماتها على قرى في القضاء وبلداته حيث شهد الكثير منها تنافساً عائلياً إنمائياً بمزيج سياسي وحزبي، فإن المعركة في زحلة كانت على أشدها حتى أضحت عنوان معركة البقاع إذ انها تحولت الى معركة سياسية ومالية وإثبات وجود وأحجام، تطاحنت فيها ثلاث لوائح، الأولى تحمل اسم لائحة «زحلة رؤية وإنماء» برئاسة رئيس المجلس البلدي الحالي اسعد زغيب ومدعومة من حزبي الكتائب و «القوات اللبنانية» ونواب المدينة ولائحة «القرار الزحلي» التي يرأسها جوزف دياب المعلوف والمدعومة من الوزير السابق ايلي سكاف، ولائحة «ابناء زحلة» برئاسة النقيب المتقاعد وليد شويري المدعوم من النائب السابق يوسف المعلوف. واللوائح الثلاث تحمل توجهات ذات تلاوين متعددة تحكمها الاصطفافات السياسية والعائلية والحزبية وتقاطع المصالح، فيما امتهن بعض المرشحين تبدل الأدوار، فهم موجودون في لوائح وتوجهاتهم وأفكارهم السياسية في مكان آخر. وحتى ان منسق «التيار الوطني الحر» في زحلة انطوان بو يونس الذي خاض المعركة منفرداً طرحه التيار تحت شعار الاستفتاء «لأن بعضاً فيها أراد ان يلغي وجوده» على ما قال النائب السابق سليم عون. المتنافسون في زحلة وماكيناتها الانتخابية استنفروا كل طاقاتهم للفوز بهذا الاستحقاق حتى بلغوا المحرمات فتحدثوا عن وجود تدخلات و«مايسترو» يدير العملية الانتخابية من خارج المدينة وكالوا الاتهامات لبعضهم بعضاً ولم يتوانوا عن الاستهدافات الشخصية والفساد والرشوة وألقيت منشورات تشهيرية متبادلة واستحضروا الأجهزة الأمنية السابقة ولم يوفروا حتى الحالية آخذين عليها عدم التدخل لقمع التجاوزات. لكن هذا الصخب السياسي لم يحجب أصواتاً زحلية تنشد تغليب الإنماء على السياسة فتقول برنا حداد التي شكلت لائحة على مزاجها انها تريد مجلساً يركز على الإنماء غير المسيس وتحسين منطقة البردوني لاستقطاب السياح أكثر. أما سليم أبو رجيلي فرأى ان ما جرى له تداعيات على قرار المدينة وإنمائها وقال: «اقترعت للائحة المدعومة من 14 آذار لإبقاء قرار المدينة في زحلة». إلا ان ناخبين عادوا بالحنين الى خصوصية زحلة العائلية التاريخية وهذا ما فعلته نورما بوعبود التي صوتت للائحة المدعومة من سكاف «لأن الانتخابات النيابية خلفت تداعيات سلبية، وعلينا اعادة قرارها من جديد لأصحابها». وأبدى القيمون على لائحة زغيب ل «الحياة» ثقتهم بالفوز على رغم تخوف أعضاء فيها «من قوة الماكينة المنافسة التي تدار من الخارج، وكثرة الرشى». ومع اقتراب الواحدة ظهراً بلغت الأجواء التنافسية نسبة عالية من الحماوة، وتخللتها اتهامات قاسية إذ ان لائحة سكاف راحت تتهم لائحة زغيب بتجاوزات كثيرة وبدفع المال لحض الناخبين على الاقتراع، فيما اتهمت الأخيرة لائحة القرار الزحلي بالقيام بحصار مالي على ما قال عضو بارز فيها ل «الحياة»، عبر رشوة الناخبين في عدد كبير من المراكز ولا سيما مراكز المختارين لتغيير مسار الانتخابات. ولم تخل الانتخابات من حدوث فوضى وتلاسن وتدافع بين أعضاء اللائحتين الرئيستين لا سيما في قلم مدرسة البربارة ومدرسة الراسية الرسمية للبنات وسيدة النجاة، بسبب محاولة مندوبين متابعة ناخبين الى خلف الساتر. وفيما بدت اللائحة الثالثة ضعيفة وغير متماسكة وحمل رئيسها شويري بشدة على اللائحتين المنافستين له واتهمهما بالفساد ودفع الرشى، وعدت لائحة المعلوف المدعومة من الكتلة الشعبية بمفاجآت ستعيد خلط أوراق المدينة من جديد إذ تشير الوقائع الميدانية والمعلومات وفق مصادر زحلية واكبت تحضيرات مسؤولين مشاركين في الانتخابات ل «الحياة» عن اتفاق أبرم عشية بدء الاقتراع يقضي بتجيير أصوات كثيرة لحلفاء وأصدقاء قدامى وجدد وتداول عونيون بصورة علنية بأن ناخبين من «التيار الحر» وأنصارهم تبلغوا بترك الحرية لهم في تشكيل اللوائح التي يريدون عبر انتقاء أسماء يختارونها من اللوائح الثلاث شرط الالتزام بفكر التيار السياسي، الى جانب مرشح التيار المنفرد. لكن سرعان ما ظهرت الوقائع على الأرض بصورة أكثر وضوحاً إذ اندفع مناصرو «التيار الحر» وناخبون شيعة والطاشناق الى صناديق الاقتراع وبدفعات كبيرة للتصويت علناً للائحة سكاف مع استبدال اسم مرشح التيار بو يونس باسم آخر من اللائحة. فالمشهد الانتخابي في المدينة بما حمل، إضافة الى التشطيب واللوائح المركبة التي نسجت خيوطها قيادات كثيرة من اتجاهات مختلفة بمن فيها النائب الذي فضّل الحياد (وضع ورقة بيضاء) الذين أوعزوا لأنصارهم بانتخاب أخصام لائحة زغيب ثأراً ما يؤشر الى عدم فوز أي من هذه اللوائح بالكامل وحصول خروق كبيرة تفرض مجلساً بلدياً بتلاوين سياسية لا إنمائية.