يشهد الفضاء الافتراضيّ التونسيّ هذه الأيام احتجاجات مكثّفة من قبل مُستعملي الإنترنت ضدّ سياسة حجب المواقع الإلكترونية والمدوّنات. وبادر شباب ونشطاء على الشبكة إلى إطلاق حملات مُركزة من المتوقّع أن تستمرّ طوال الشهر الجاري، بهدف التصدّي للرقيب الإلكتروني الذي يطلقون عليه اسماً ساخراً هو «عمار 404»، على اعتبار أنّ العدد 404 يظهر على الشاشة كلما حاول المبحر الولوج إلى موقع محجوب في تونس. الحملة التي أطلقت منذ أيام للاحتجاج على سياسة حجب المواقع الإلكترونية ليست الأولى في تونس، فقد سبقتها حملات مماثلة لكنها لم تدفع الرقابة إلى تخفيف القبضة المُحكمة على الفضاء الافتراضيّ. وانطلقت الحملة الجديدة بعد أن حجبت السلطات في تونس يوم الثلثاء 27 نيسان (أبريل) الماضي أكثر من عشر مدوّنات في يوم واحد فضلاً عن موقع «فليكر» (flickr) الشهير لتحميل الصور وتقاسمها إضافة الى العشرات من الصفحات الخاصة والمجموعات على شبكة «فايسبوك» الاجتماعية ما أثار غضب مستعملي الانترنت خصوصاً الشباب الباحث عن المعلومة والتسلية في آن. الحال التونسيّة تبدو الأسوأ عربيّاً في مجال رقابة الانترنت، إذ صنّف تقرير منظمة «مراسلون بلا حدود» لعام 2010 تونس ضمن قائمة «أعداء الإنترنت» في العالم لأنها تحجب مواقع ذات شعبية عالمية ك «اليوتيوب» و «الدايلي موشن» و «وات تي في (Wat.tv) ومواقع إخبارية معروفة كالجزيرة. نت، ومواقع المنظمات الحقوقية الدوليّة والمحلية وبعض مواقع أحزاب المعارضة القانونية وغير القانونيّة والعشرات من المدونات الشخصية ومن بينهما مُدونات تعنى حتى بالثقافة والفنّ والطبخ. «ظلّ الحجب في بلادنا لوقت قريب حجباً سياسياً، أي أنه يستهدف المواقع التي يستغلها بعض النشطاء السياسيين والحقوقيين والصحافيين للتعبير عن آرائهم»، يقول الطالب الجامعيّ فوزي جميلي (25 سنة) ويضيف: «لكنّ موقع «فليكر» و «الوات تي في» هما موقعان غير سياسيّين ولا ندري لماذا حُجبا على رغم شهرتهما وشعبيتهما، الحجب في تونس أضحى عشوائياً ويستهدف كل فضاء يشهد إقبالاً كبيراً من الشباب». ردود الفعل المندّدة بالحجب اتخذت أشكالاً عدّة ومبادرات مختلفة، تلتقي جميعها عند هدف وحيد، وهو «الضغط على السلطات من أجل وقف الرقابة على الانترنت واحترام الحقّ في العبور إلى المواقع الإلكترونية بحرية أكبر». قسم من المُدونين المتضررين من سياسة الحجب اختاروا نهجاً «مسالماً» وذلك بتوجيه رسالة إلى رئيس الجمهورية زين العابدين بن علي يحثونه من خلالها على التدخّل ل «لفكّ الحجب غير القانوني عن العديد من المواقع». وجاء في نصّ الرسالة: «في الوقت الذي أعلنت فيه الأممالمتحدة» عام 2010 سنة عالمية للشباب على إثر اقتراح سيادتكم، يشعر جزء من الشباب التونسي بالإحباط بسبب حرمانه من الدخول إلى مواقعه الالكترونية المفضلة. والبعض ممن أراد المشاركة في نقاش الشأن العام، تعرضت مواقعهم الشخصية إلى الحجب، نتمنى أن تتدخلوا لاتخاذ الإجراءات اللازمة بحيث لا يحجب أي موقع بصفة غير قانونية من دون استناد إلى قرار قضائي وهو ما يتعارض مع الفصل الثامن من دستورنا والفصل التاسع عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان». الرسالة أثارت جدلاً كبيراً واعتبرها بعض المُبحرين رسالة «تملّق» لا يمكن أن تردّ لهم الاعتبار بعد حجب مواقعهم المفضلة. ويقول رشاد (23 سنة): «هؤلاء يعتقدون أنّ الحجب يتمّ من دون علم رئيس الدولة، وشخصياً لا أعتقد ذلك، فالحجب سياسة رسمية والدليل أنه يستهدف أصحاب الرأي المخالف فحتى المعارضات القانونية لم تسلم من الرقابة». الرّسالة الموجهة للرئيس بن علي لم تكن المبادرة الوحيدة، فقد أطلقت مجموعة من الشباب عريضة تندّد بالرقابة تتطلع من خلالها إلى جمع أكثر من 10 آلاف توقيع، في حين أنشأ آخرون مجموعات مختلفة على شبكتي «تويتر» و «فايسبوك» ضمت الآلاف من مستعملي الانترنت الذين بادروا إلى نشر الصور ومقاطع الفيديو التي صمّموها بأنفسهم وتقاسموها في ما بينهم وتتهكّم في معظمها من الرقيب «عمار 404» وتسخر منه وتنتقده بشدّة، وهدفهم في ذلك التشهير بممارساته ودفعه إلى فكّ الحجب عن المواقع والمدونات. الدكتور طارق الكحلاوي، أستاذ تونسيّ في جامعة «رتغرز» الأميركية، حُجبت مدونته الشخصية «أفكار ليليّة» في مناسبتين من دون أن تقدّم له السلطات أية توضيحات عن أسباب حجبها. ويقول الكحلاوي ل «الحياة» معلقاً على تكثّف الحملات الشبابيّة المنددة بالرقابة: «خلال الأسابيع الأخيرة ساهم الرقيب بتكثيف حجبه في شكل غير مسبوق ما ساهم في إنضاج الاحتجاجات، فنحن إزاء مرحلة تتجاوز الاحتجاج النخبوي الفردي والتنديد الذي يقتصر على بعض الناشطين والمدونين، إلى مرحلة جديدة تستهدف إشراك كل مستعملي الانترنت على أسس عامة تهم الجميع بمعزل عمّن هو «مسيس» و «غير مسيس». ويرى الكحلاوي أنّ من أشد المهمات الحاحاً، أن يشعر مستعمل الانترنت في تونس بأن هناك وسائل قانونية وسلمية ومواطنيّة لمقاومة هذا الحجب وبخاصة أن يشعر بحالة تضامن جماعي في هذا السياق. ويتابع: «نحن إزاء معضلة التأسيس لمبادرات مواطنية سلمية وجدية تعطي الثقة للناس في أهمية التحرك الجماعي». من جهة أخرى تعتبر مبادرة «سيّب صالح» المبادرة الأكثر شعبية من بين كل المبادرات التي أطلقت للتصدي لحجب الانترنت، كما أنها تعتبر الوجه الأكثر طرافة، إذ انطلقت هذه الحملة على شبكتي «فايسبوك» و»تويتر» الاجتماعيتين ، قبل أن يُنشأ المُشرفون عليها موقعاً خاصاً بها على الانترنت. وتمكنت هذه الحملة من جمع قرابة 6500 مشترك. لفظ «سيّب صالح» باللهجة المحلية في تونس يستعمل للدلالة على الاحتقان والضجر من شيء ما، ويقول أحد المشرفين على حملة «سيّب صالح» ل «الحياة» : «نحن نعتمد في هذه الحملة على مساهمات الشباب المشترك، في جوّ يمزج بين الجد والهزل، وتقوم مبادرتنا على رسالة موجّهة بصفة فردية من خلال الصور للتعبير عن الاحتجاج على الرقابة، وتمّ التركيز على مصطلح «سيّب صالح» للكشف عن مدى اختناق الفضاء الإلكتروني من هذا الحجب». هذه الحملة مكّنت عدداً من الشباب الذي التفّ حولها وساندها من كسر حاجز الخوف، فكثير منهم لم يكن مقتنعاً في السابق بسياسة الاحتجاج على «القرارات الحكومية»، اذ ظهر العشرات منهم بوجوه مكشوفة وأسماء حقيقيّة للتعبير عن احتجاجهم على الرقابة، وقام كثيرون بنشر صور لهم على الموقع المخصّص للحملة http://ammar405.tumblr.com . ويقول الكحلاويّ إنّ «محتويات معظم هذه المبادرات مختلفة في الشكل وحتى في «لهجة الخطاب» غير أنها جميعاً تعكس الرغبة في مقاومة جهاز غير مؤسساتي من خلال مؤسسات الدولة والجمهورية وقوانين البلاد، وهذا يعكس أمراً أساسياً أن حالة مقاومة الحجب هي حالة مواطنية تأتي في سياق معركة المواطنة وليس تمرداً عليها». وجدير بالذكر أنّ الحكومة التونسية تؤكد أنها تحجب المواقع الإباحية والمواقع التي تحثّ على العنف والإرهاب فقط، في حين يتهم مستعملو الانترنت ونشطاء حقوق الإنسان والمدافعون عن حرية التعبير «الوكالة التونسية للإنترنات» وهي مؤسسة حكومية تمثّل دور المشرف على خدمات الانترانت وتعميم استعمالها في تونس، وتتبع هذه الوكالة وزارة «تكنولوجيات الاتصال»، وتقول إن من وظائفها «تطوير استراتيجية استعمال الانترانت وإيجاد تطبيقات جديدة في هذا الميدان وإدارة الربط الوطني بالشبكة».