عام تلو آخر، يزداد خفوت بريق المهرجان القومي للسينما، الذي اختتمت دورته السادسة عشرة مساء الجمعة الماضية، إذ لم تقتصر هفوات وزارة الثقافة المصرية – الجهة المنظمة للمهرجان - والقائمين على المهرجان على سوء التنظيم أو الدعاية الباهتة أو حتى الارتباك في عملية زيادة تمويل المهرجان لدعمه، بل تعكس الكواليس تدخلاً من وزارة الثقافة في عمل القائمين على المهرجان لمجرد كونها الجهة المنظمة، ما يعطي انطباعاً بأن إدارة المهرجان ما هي إلا جهة شرفية لا ناقة لها ولا جمل. طرفة الدورة هذا العام كانت سحب وزارة الثقافة فيلم «المسافر»، بطولة عمر الشريف وبسمة وتأليف وإخراج أحمد ماهر من المهرجان بعد يومين من الإعلان عن مشاركة الفيلم الذي أنتجته الوزارة بكلفة حوالى 20 مليون جنيه مصري، «لعدم مشاركة فيلم من إنتاج وزارة الثقافة في مهرجان تمنح جوائزه ولإفساح المجال للأفلام الأخرى». فجأة تنبه مهرجان من المفترض أنه ذو باع طويل في حقل المهرجانات السينمائية إلى أن «المسافر» من إنتاجه، وفجأة ارتأى أن سحب الفيلم حل مثالي حتى لا تكون هناك شبهة مجاملة في حال فاز بجائزة! ما سبق يشير الى أن لا تنظيم مدروساً أو اجتماعات تحضيرية محترفة تسبق المهرجان، إذ تبدو مسألة سحب الفيلم مجرد تنفيذ لأوامر عليا من وزارة الثقافة على رغم أن «المسافر» تنطبق عليه شروط الاشتراك في المهرجان، فضلاً عن اشتراك فيلم «عصافير النيل» الذي ساهمت الوزارة في إنتاجه وحصوله على جائزة في هذه الدورة! ربما كان سحب الفيلم مبرراً إذا كان السبب هو عدم حصوله على فرصة العرض التجاري مثل بقية الأفلام المشاركة، وهو ما ينفى إلى حد ما مبدأ التنافس. من ناحية أخرى، فتح المهرجان الباب على مصراعيه لكل إنتاجات العام الماضي للمشاركة، في حين تختار مهرجانات السينما المحترفة أفضل ما أنتج، ما يجنب منافسة ظالمة بين الغث والسمين. وإن كان طلب الكاتب ورئيس جهاز السينما ممدوح الليثي من وزير الثقافة فاروق حسني خلال حفل الختام زيادة موازنة المهرجان وقيمة جوائزه يبدو منطقياً في ما يخص الزيادة تماشياً مع اسمه البارز على المستوى المحلي، إلا أن ما يحتاج إلى زيادة فعلية انما هو قيمة جوائز الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة لا الروائية الطويلة. تقبل الوزير تنويه الليثي بصدر رحب، مشيراً إلى اتخاذه قراراً بمضاعفة الموازنة منذ فترة، لكنه انتظر الوقت المناسب للإعلان عنه حيث سيتم تنفيذ القرار بدءاً من العام المقبل، إلا أنه أصر على منح الدعم للسيناريوات وليس للأفلام، داعياً المزيد من الكتاب الى التقدم للحصول على هذا الدعم على رغم أن أياً من الأفلام التي تم منحها دعماً العام الأخير لم يحصل على جوائز! أما الدعاية التي ترافق المهرجان فلا توازي بالطبع تلك التي تصاحب مهرجان القاهرة السينمائي الدولي أو حتى مهرجاني الإسكندرية والإسماعيلية، خصوصاً أن هذه المهرجانات الثلاثة ذات صبغة دولية، في حين أن القومي يعد مهرجاناً محلياً لتشجيع القطاع السينمائي. إلا أن ذلك لا يعني اتشاح الأسهم الدعائية للمهرجان بالأحمر كما الحال عند هبوط الأسهم في البورصات المالية أو عدم اهتمام إدارة المهرجان بإطلاق حملة دعائية جيدة. وما دامت الدعاية باهتة وكاميرات التلفزيون تطل برأسها على استحياء ووجود الصحافة المكتوبة خامل، كان غياب فناني السينما ممن يطلق عليهم «نجوم الصف الأول» هو اللافت على رغم اشتراك أفلامهم في المهرجان، حيث يتحجج البعض بالانشغال بأعمالهم الفنية، في حين يعلن آخرون عدم دعوتهم الى المهرجان. لكن يبدو أن «نجوم الصف الأول» فطنوا إلى أنهم لن يجنوا من المهرجان ما تصبو إليه أنفسهم أو ما اعتادوا عليه في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي أو مهرجانات السينما في دول الخليج من اهتمام إعلامي ضخم ودعاية مكثفة وعرض مجاني لأناقتهم المفرطة. في المقابل، يحسب لهذه الدورة أن توزيع الجوائز جاء موفقاً إلى حد بعيد على عكس بعض دورات المهرجانات التي اتسمت بمنح الجوائز لغالبية الأفلام المشاركة تحت بند «المجاملة» أو «ترضية جميع الأطراف». وتم توزيع جوائز المهرجان التي تنافس عليها 24 فيلماً روائياً طويلاً و85 فيلماً تسجيلياً وقصيراً وتحريك كما يلي: فوز فيلم «واحد صفر» بالجائزة الأولى كأفضل فيلم وتبلغ قيمتها 150 ألف جنيه مصري، وتمنح للمنتج. كما فاز الفيلم نفسه بجائزتي أفضل إخراج لكاملة أبو ذكري وأفضل سيناريو لمريم نعوم. ومنحت لجنة التحكيم شهادة خاصة للممثلة نيللي كريم عن دورها في الفيلم. كما فاز فيلم «ولاد العم» بالجائزة الثانية وقدرها 100 ألف جنيه مصري إضافة إلى فوز الفيلم بثلاث جوائز أخرى هي: الموسيقى لعمر خيرت والمونتاج لداليا الناصر وجائزة لجنة التحكيم الخاصة لمخرجه شريف عرفة. وفاز فيلم «الفرح» بالجائزة الثالثة وقدرها 75 ألف جنيه مصري، إضافة إلى أربع جوائز هي: التمثيل الأولى رجال لخالد الصاوي ونساء لدنيا سمير غانم والتمثيل الثانية نساء لسوسن بدر وجائزة الديكور لإسلام يوسف. ويستحق الفنان عمرو واكد عن جدارة جائزة أفضل تمثيل دور ثان رجال عن دوره في فيلم «إبراهيم الأبيض» حيث لم يدخل واكد في مباراة تمثيلية مع بطل الفيلم أحمد السقا الذي جاء مستواه في الفيلم متذبذباً، بل نافس واكد الفنان محمود عبدالعزيز - أحد أبطال الفيلم -. وحصل محمود كامل على جائزة إخراج عمل أول عن فيلم «أدرينالين» ونال رمسيس مرزوق جائزة أفضل تصوير عن فيلم «عصافير النيل». كما استحق فيلم «جيران» للمخرجة تهاني راشد جائزة أفضل فيلم تسجيلي طويل، في حين فاز فيلم «مش عارف» بجائزة أفضل فيلم تسجيلي قصير. ونال فيلم «أقل من ساعة» لمحمد ممدوح جائزة أفضل فيلم روائي قصير، وحصل فيلم «آخر رنة» لمصطفى عبدالمنعم على جائزة أفضل فيلم رسوم متحركة. أخيراً لا بد من القول دائماً ان من الممكن الارتقاء بمستوى المهرجان وتفعيل الهدف الذي أنشئ من أجله وهو تدعيم الإنتاج السينمائي الجيد، واستثماره ثقافياً، لكن هذا يتطلب جهداً كبيراً وتحضيراً جيداً يتميز بالاحترافية في إدارة المهرجانات السينمائية حتى يبتعد المهرجان قدر الإمكان عن الدوران في دائرة مفرغة من العشوائية والنمطية.