بين مراسم العزاء واختلال الغرض وأحياناً انتفاء العزاء وبين البوفيهات وصواني الرز بالحمص وبين الهدايا التي تحضر باهتمام شديد ليأخذها المعزّون معهم وهم خارجون من دار العزاء، والتي تحتوي في الغالب على شريط قرآن وسبحة وكتيب صغير للأدعية موضوعة في كيس شفاف من قماش مصنوع خصيصاً للهدايا، وبين ملابس المعزيات وتسريحة الشعر والماكياج الأبيض المعروف لدى الصالونات «ماكياج عزاء»، وبين الأحاديث الجانبية وغير المتعلقة لا بالموت ولا بالعبرة ولا بذكر محاسن موتانا والتي كتبت عنها أكثر من ثلاث مقالات. ظهرت علينا «ظاهرة» جديدة متمثلة في استغلال بعض الأشخاص إعلان الوفاة وعنوان منزل العزاء لتبدأ رحلة الاتصالات الغريبة، والتي تتمثل في طلب المال بكل صراحة وأحياناً بكل وقاحة من ترك رقم الحساب «للمساهمة في دفع الإيجار»، إلى تلقي اتصالات من الترحيل والتوقيف، إلى الحضور شخصياً إلى موقع العزاء ليس لتقديم واجب العزاء الذي خلا بكل أسف من مضمونه، إنما لاستغلال المشاعر التي تشتعل في صدور أهل المتوفى في مثل هذه الظروف الصعبة وابتزازهم عاطفياً لتحقيق مكاسب دنيوية سريعة... لا يقتصر الأمر على الابتزاز العاطفي، إنما لإحراج أهل المتوفى أمام من يقوم بواجب العزاء لهم. ويتمثل في الالتصاق بهم وملاحقة أهل المتوفى بالأسئلة عن كيفية وفاته وعن ظروفه الأسرية وغيرها، ثم البقاء لتناول وجبة العزاء وانتظار ذهاب المعزين عن آخرهم ليبدأ شرح الظروف التي لا تختلف في العادة عن سجن الزوج/ مرض خطر/ دية معلقة وغيرها. أما الرجال فالإحراج أكثر على ما أتصور من النساء، ويكون في اختيار أصحاب السيارات الفخمة المميزة والتحلق حولها وعدم السماح للمعزي بالذهاب إلا بعد دفع حق الله... ثم البقاء لتناول العشاء، فمن عديم الذوق الذي بإمكانه إخراج أناس من بيته أو حوشه ونحن نعلم أن الوفاة وقت فريد لتجمع الأقارب، ونظراً إلى أن الوقت وقت عصيب فكل شخص يتلقى العزاء سيعتقد أن الموجودين أقارب أحدهم ومن العيب إخراجهم من تصدرهم للأمكان القريبة لوقوف أصحاب العزاء أنفسهم. أحياناً تأتي بعض النساء بسيارات فخمة وتقف بسيارتها في مكان قريب وتقوم بإرسال السائق لأقرب شخص يقف في الصف بإلحاح شديد، أو إطلاق بوق السيارة أو ما نطلق عليه «البوري» للتنبيه، ونظراً إلى أن الموقف صعب للجميع يضطر أحدهم للذهاب للتخلص من إزعاجها وحتى يتمكن المعزّون من سماع القرآن أو حتى الرد على ضيوفهم. ظاهرة جديدة حكى عنها الكثيرون ورأيتها بعيني... ظاهرة مخجلة جداً ومسيئة جداً فمن بيده الحل؟ [email protected]