نالت جائزة البحرين لحرية الصحافة تغطية إعلامية واسعة في البحرين والدول العربية الأخرى، وكنت أتابع نشاط الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، وزيرة الثقافة والإعلام، وأفكر في أن ليس للصحافيين البحرينيين ما يخشون والوزارة في عهدتها، وهي لو لم تولد للأسرة الحاكمة لكانت زعيم حزب معارض، فقد وجدتها دائماً معارضة بطبيعتها ولها رأي آخر في القضايا العامة لا تتردد في إعلانه والدفاع عنه، ثم إنها قادمة من عالم الثقافة والكتب ولا تعتبر نفسها «فريقاً حكومياً» في وجه الميديا المحلية. هناك مساحة حرية صحافية واضحة في البحرين، كما في دول عربية أخرى مثل مصر والكويت ولبنان، والملك حمد بن عيسى أعلن في اليوم العالمي لحرية الصحافة أن التزامه بهذه الحرية الصحافية كامل ولن يرضى عن سجن صحافي أو إغلاق صحيفة أو مؤسسة إعلامية. أرجو أن يكون كلام الملك حمد تشجيعاً لا تحريضاً، فهناك نوع من الصحافيين يجعلني أؤيد استخدام الأسلحة النووية. وقد وجدت على مدى عقود من ممارسة العمل الصحافي الذي لا أعرف عملاً غيره (وهناك من يقول إنني لا أعرف الصحافة أيضاً) أن بين الزملاء من هو واسطة العقد، وإن بينهم سقط المتاع، ولعل هذا ينطبق على كل مهنة أو عمل. حاولت في الجلسة التي أدرتها وفي كل حديث آخر أن أختصر، وأستطيع أن أدعي إنني قلت أقصر الكلمات من دون أن يعني هذا أن كلامي كان ما قلّ ودلّ. كل ما يعني هو أنني أعرف جيداً ضيق المستمعين بالذين يطيلون الحديث، وأذكر أن للشاعر عمر أبو ريشة قولاً ظريفاً عن الدكتور كلوفيس مقصود عندما كانا سفيرين في نيودلهي، فهو حذّر الزملاء في مجلس السفراء العرب: لا تسألوا كلوفيس بْيِشرَح. لم تكن هناك حاجة الى شرح كبير ونحن في المنامة، فقد تزامن اليوم العالمي لحرية الصحافة مع إغلاق جريدة «الوقت» البحرينية. وأيضاً لم تكن هناك حاجة للبحث عن التفاصيل. فقد قررت أن الجريدة واجهت أزمة مالية، وهذا ما حدث فعلاً. لن أكرر شيئاً نشر عن جائزة البحرين سوى التذكير بأن الزميل خالد منتصر من «المصري اليوم» فاز بالجائزة عن العمود الصحافي، وأن الشيخة مي آل خليفة أعلنت عن جائزة ثانية للسنة المقبلة باسم الناقد محمد البنكي، رحمه الله، عن أفضل شخصية إعلامية صحافية عربية. الصحافة الورقية بحاجة الى تشجيع فهي تسير في طريق طائر الدودو، مع بروز صحافة جديدة إلكترونية تعكس تكنولوجيا العصر، وقد لاحظت أن هناك تهماً متبادلة شعوري معها بأن الجانبين على حق، والصحافة التقليدية تقول إن صحافة الإنترنت تخلو من المسؤولية والصدق، ورواد الصحافة الجديدة يقولون إن الصحافيين التقليديين ديناصورات ومكانهم الأفلام الخيالية فقط. ربما رأينا نهاية الصحافة الورقية في حياتنا، وعندما تكون صحف من نوع «نيويورك تايمز» و «واشنطن بوست» و «لوس أنجليس تايمز» على شفير الإفلاس، أو تواجه أوضاعاً مالية صعبة، يصبح الحديث عن بقاء الصحافة الورقية تمنيات لا وقائع. اليوم أنجح جريدة في الولاياتالمتحدة هي «هفنغتون بوست» الإلكترونية، فلها حوالى 11 مليون قارئ، وهو رقم تقصر عنه الصحف الكبرى مجتمعة. في غضون ذلك سرني أن أجد نفسي مرة أخرى في البحرين فهناك أصدقاء كثيرون، ورأيت منهم ولي العهد الأمير سلمان بن حمد ونائب رئيس الوزراء الشيخ محمد بن مبارك (الملك حمد بن عيسى سافر الى لندن عندما وصلت الى البحرين). وأنا لا أزور البحرين من دون جلسات المساء مع الصديق القديم الدائم أكرم مكناس، ومعنا شقيقته الزميلة بارعة علم الدين. وضمتنا جلسة مع غادة شبير ذات الصوت الرائع وأصدقاء آخرين. وسررت برؤية الزميلة مي شدياق فقد كانت أول مرة أراها منذ محاولة الاغتيال المعروفة. وسرني تحديداً أن أراها دائمة البسمة، وكما عرفتها دائماً، فالانفجار أثر في ساعدٍ وساقٍ إلا أنه لم يصل الى روحها وحبّها الحياة. وكانت ترافقها اختها ميشلين التي وجدتها تحنو عليها وتساعدها كأم. في البحرين مارست الصحافة ذات صيف (لن أذكر السنة)، ولم أكن أعرف أن الشهرين سيطولان ليصبحا عمراً من العمل الصحافي. وإذا كان من القراء من يعجب بعملي فهو يستطيع أن يشكر البحرين، وإذا كان هناك من لا يعجبه عملي فهو يستطيع أن يلوم البحرين، أما أنا فلا أقول لهذا وذاك إلا ما نقول في لبنان «استروا ما شفتوا منا»، وشكراً للبحرين وأهلها. [email protected]