كتاب «العصفورية» الصادر عام 1996 يعتبر أحد الكتب الثقافية المهمة، والتي تنطلق من رؤية قاعدتها خليجية في رؤيتها الكونية. و«العصفورية» لم تأخذ حظّها من الدراسة والتأمل، وربما كان من اللافت قراءة الدكتور محمد جابر الأنصاري لكتاب «العصفورية» وذلك في كتابه «مساءلة الهزيمة» الصادر في عام 2001، إذ خصّ فصلاً من فصوله لقراءة رواية القصيبي بوجهها الفكري والنقدي. أسرد هنا خلاصة رؤية المفكر البحريني الأنصاري عن العصفورية، يقول عنها: «العمل الفكري والثقافي الخطر... الكتاب الوثيقة... سيخطئ أي ناقد أو قارئ إذا اعتبر العصفورية رواية أو رواية فانتازية وذلك لأسباب وتكتيكات سردية لجأ إليها هذا المبدع، والذي تمخض هنا عن مفكر كبير من أجل تمرير ما أراد تمريره بصدق جارح لذيذ عن مجمل الواقع العربي منذ حزيران»، وذلك أن الكتابات النقدية التي تلت النكسة كانت تتجه نحو التقليدية في طريقة التعبير، فأتى نص العصفورية ليضفي طابع السخرية والجدّة على تلك المآلات التي انجرّ العرب إليها بعد الهزيمة. كما أتت في ظرف لا يزال العرب يراوحون مكانهم ولم يسهموا بعد في دراسة النكسة دراسة تشترك فيها الإرادة السياسية والجماعية في دراسة أسباب الهزيمة والانهيار. رأى الأنصاري: أن «العصفورية تمثّل «منفستو» ثقافة المراجعة العربية بين هزيمة 1967 ومستجدات نهاية القرن... لو أغنى كتاب واحد عن «مزاج» مرحلة ثقافية بأسرها لقلت إن عصفورية القصيبي تغني... يخطئ أكثر المثقفين العرب لو نظروا إلى إبداع القصيبي بمنظار «عاصفة الصحراء» وأتبرتها المضللة... أعظم تجربة عربية معاصرة استطاعت اختراق اللامعقول بعمل معقول». تلك خلاصة رؤية الأنصاري لنص العصفورية وهو الكتاب المخاتل. يشكل النص في العصفورية العمل الأبرز الذي يحكي فيه القصيبي رؤيته النقدية لمفاصل سير الواقع العربي كافة، كما يحكي فيه آراءه الفنية، والفكرية، ويعرض فيه استدراكاته على المنجزات الفلسفية والعواصف الثقافية في العالم العربي وخارجه. العصفورية تختزن عمقها في رموزها، وتكمن جدتها في كونها نبعت من مواطن عربي يعيش في الخليج نظر إلى كثير من الصراعات العربية العربية بحياد ودقة وذلك لما يتمتع به الخليج من «دفء سياسي»، كما تتجسد براعتها كرؤية في قدرة الكاتب على توصيف الحالة العربية. والتطرق لكثير من الأمراض الفكرية بأساليب متعددة. مضى أكثر من عقد على تأليف العصفورية، وبرز غلافها في الصحف وزوايا قراءة الكتب، وقرأها الأدباء والنقاد بنظاراتهم المقعّرة، واعترفوا بها كرواية، بيد أن ما يحتاج إليه النص أن يكون موضع دراسة بوصفه عملاً مليئاً بالتنوع السردي والثراء الرمزي. لتحتضن الأقلام أمثال تلك النصوص التي تمرّ من بيننا بهدوء من دون أن تأخذ حظها من الفحص والتحليل. الخليج الذي أصبح في الوقت الحاضر رقماً رئيسياً في كثير من المجالات، خصوصاً «الثقافية» وهو السوق الأبرز للصحف والمجلات والكتب، بل على العكس تحتوي هذه البقعة على «بكارة تجارب» من الممكن استثمارها في سبيل الخروج من مناخ النكسات والحروب وذلك عن طريق ضخّ العلوم وتصحيح الأفكار. فلم يعد الخليج بمنأى عن التغيرات الكونية والدراسات الفلسفية وإن كان خطوه وئيداً. [email protected]