تبلغ المسافة ما بين آخر عمل إرهابي نُفذ في حق مصلين ومواطنين وأحدثها قرابة الأربعة أشهر فقط، مسافة زمنية قصيرة تنفس خلالها المواطنون في المنطقة الشرقية الصعداء، بعد أحداث دامية شهدتها مدينة سيهات (شرق المملكة)، لكن الإرهاب عاد من جديد ليتلبس يوم أمس (الجمعة) بعد أن سدت رائحة الدم الأنفاس. رفع إمام الجماعة كفيه بتكبيرة الإحرام في جامع الرضا في حي محاسن في الأحساء، المصلون يسمعون أصوات الأنفاس المتأرجحة بين الشهيق والزفير، صوت يشبه أزيز الرصاص جاء مسرعاً من بعيد، وتدريجياً اقترب واقترب، قبل أن يسارع المصلون إلى إغلاق الأبواب، وسط ذهول يملأ المكان، ليقطع صوت انفجار قوي الشك باليقين علم معه المصلون بأنهم محاصرون وأن الأصوات غير المفهومة قبلاً ليست إلا هجوماً إرهابياً يبحث مجرموه عن أرواحهم. أدى انقطاع الكهرباء بعد الانفجار القوي، الذي وثقته كاميرا الهاتف المحمول لأحد المصلين، إلى أحداث موجة من الرعب، لتتحول سكينة المسجد الذي كان يعج بأكثر من 400 مصلٍ إلى مشهد بطله الرئيس الموت، وبات الرصاص يتطاير في كل الاتجاهات وبشكل عشوائي. المتحدث الأمني لوزارة الداخلية اللواء منصور التركي قال عبر بيان: «إنه تم بفضل الله الحيلولة من دون تمكن شخصين انتحاريين من الدخول إلى مسجد الرضا بحي محاسن في محافظة الأحساء، أثناء أداء المصلين لصلاة الجمعة، إذ تمكن رجال الأمن من رصدهما أثناء توجههما إلى المسجد، وعند مباشرة رجال الأمن اعتراضهما بادر أحدهما بتفجير نفسه في مدخل المسجد فيما بدأ تبادل إطلاق النار مع الآخر وإصابته والقبض عليه، وضبط بحوزته حزام ناسف، ونتج عن التفجير الانتحاري استشهاد اثنين، وإصابة سبعة من المصلين ولا تزال الحادثة محل المتابعة الأمنية»، وأضاف في حديثه لقناة «الإخبارية السعودية»: «إن الانتحاريين كانا يحملان رشاشين»، وبيّن في الحديث ذاته أن «القبض على أحد منفذي العملية الإرهابية تم بالتعاون مع المواطنين». ونقل شهود عيان ل«الحياة» تفاصيل اللحظات الأولى للهجوم الانتحاري، وقال عادل النمير (أحد المصلين): «سمعنا أصوات إطلاق نار من بعيد، وحين قام المصلون بإغلاق الأبواب سمعنا دوي انفجار قوي جداً، انقطعت بعده الكهرباء ليحيط بنا الظلام والخوف». ويضيف «دخل أحد الإرهابيين المسجد، وأطلق النار باتجاهنا، وبعد نفاد الرصاص من مخزن سلاحه وفي لحظة انشغاله باستبداله فتح الباب وخرج عدد كبير من المصلين، فيما قام عدد آخر برمي أنفسهم عليه وتثبيته على الأرض قبل ضربه لإنقاذ الأرواح التي كادت أن تخرج خوفاً من هول المشهد». تعددت روايات شهود العيان الذين وجدوا داخل المسجد، لكن معظمها تؤكد أن ثلاثة نفذوا الهجوم وكانوا جميعاً ملثمين، يحملون أسلحة متنوعة ومتفجرات، ويرجح البعض أن يكون أحدهم ارتدى حزاماً ناسفاً، بينما حمل الاثنان الآخران أسلحة مختلفة، وجاؤوا راجلين من الجهة الجنوبية للمسجد، وتشير رواية أحد المصلين إلى أن إطلاق النار بدأ على الدورية الأمنية الموجودة لحماية المصلين، قبل أن يتوجه أحد الإرهابيين إلى بوابة المسجد ليفجر نفسه. وينقل المصلون بطولة الشهيد حسين البدر، الذي حوّل جسمه درعاً واقياً أمام رصاص أحد الإرهابيين لحمايتهم، واصفين شجاعته ب«التضحية التي أنقذت الأرواح»، البدر في العقد الرابع من العمر وهو أب لستة أطفال، ويعمل موظفاً في إحدى شركات القطاع الخاص في مدينة الدمام، إذ قام برمي نفسه أمام نيران أحد الإرهابيين الذي كان منشغلاً في إطلاق النار على المصلين ليتمكن من إسقاطه قبل أن يجتمع عليه المصلون، وتفارق روحه الحياة. وكان الإرهابي الأول فجر نفسه عند بوابة المسجد، فيما تم إلقاء القبض على الثاني، ليلوذ الثالث بالفرار بعد أن تمكن من كسر باب الطوارئ بحسب شهود عيان، وفيما انشغل الإرهابي الثاني بتبديل مخزن الرصاص فتحت أبواب المسجد لإخراج المصلين الهلعين ولتخفيف عدد الإصابات، مع ترجيح أن يكون الإرهابي الموجود يحمل حزاماً ناسفاً. من جهتها، رفعت مستشفيات الأحساء استعداداتها إلى الحد الأقصى لاستقبال مصابي الحادثة الإرهابية، إذ شكلت غرف عمليات لإدارة عملية استقبال الحالات وفرزها وتحويلها إلى الأقسام المختصة، فيما قامت مستشفيات باستدعاء الطاقم الطبي بالكامل، بما يعرف طبياً بحال الطوارئ القصوى. ونقل المصابون والشهداء إلى مستشفيات مختلفة من بينها مستشفى الملك عبدالعزيز للحرس الوطني ومستشفى الملك فهد في الهفوف ومستشفى الأمير سعود بن جلوي ومستشفى المانع العام، فيما أبقت المستشفيات الأخرى على حالة الاستعداد القصوى. «التواصل الاجتماعي» نقل للصوت والصورة ضجت وسائل التواصل الاجتماعي ومنذ الساعات الأولى للحادثة الإرهابية التي ضربت مسجد الرضا في الأحساء بكم هائل من المواد التوثيقية للحدث، إذ سجلت هواتف المصلين تفاصيل دقيقة من قلب المسجد وما يجاوره، بداية بتسجيل صوتي للنداءات الأمنية، وآخراً للمتواجدين داخل المسجد يصفون فيها الأجواء والحال العامة. فيما سجلت كاميرا أحد المصلين لحظات قليلة سبقت دوي انفجار الحزام الناسف، الذي أدى إلى إطفاء الكهرباء، وبحسب شاهد عيان أيضاً «دخل الإرهابي المسلح للمسجد وفوجئ بالظلام الدامس وقام بإطلاق الرصاص بشكل عشوائي، قبل أن يباغته أحد المصلين بضرب رأسه من الخلف بكرسي حديدي». ونقلت هواتف المصلين مشاهد أعقبت الهجوم، إذ أظهر مشهد محاصرة المصلين لأحد منفذي الهجوم الإرهابي، وهو في حال من الإنهاك بعد أن انهالوا عليه ضرباً، وكان من اللافت أن الصرخات التحذيرية التي أطلقها المتجمهرون عن احتمال ارتداء الإرهابي حزاماً ناسفاً لم تقنعهم بالابتعاد عنه، إذ ثبتوه أرضاً وأزالوا ما كان يلفه حول خصره، وسط صرخات الغاضبين. الصور المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت الإرهابي المقبوض عليه كثيف الشعر ويعاني من الإنهاك والآلام مرتدياً زياً رياضياً لأحد الأندية الأوروبية، قبل أن تأخذه الجهات الأمنية بعيداً عن أيادي الأهالي الغاضبين، الذين كانوا يرددون «لا لا للإرهاب».