تمثل نهاية سنة محددة (2015) وبداية سنة أخرى جديدة (2016)، فرصة ملائمة للنقاد السينمائيين وللمهتمين بالمجال السينمائي كما غيره من الفنون الأخرى وبقية المتتبعين، من أجل معرفة المسار الفني الذي تسير فيه السينما في العالم ونوعية الأفلام التي تنتجها وتقدمها، وبالتالي تحديد وجهة نظر دقيقة ومركزة حولها، إن إيجاباً أو سلباً. وبالتالي، فإننا نتوقف هنا عند السينما المغربية التي تهمنا، ذلك أنّ متابعة هذه السينما بمختلف أنواعها الفنية، التي تجمع الآن بين سينما التأليف الفني و سينما الإبداع الفني من جهة، وسينما الفرجة والترفيه والحرص على جذب الجهور من جهة أخرى، هو ما يدفعنا إلى هذا الوقوف والتأمل. إن المتأمل في الأفلام السينمائية المغربية التي قدمت، سواء في المهرجانات الوطنية أو تم عرضها في دور السينما، سيلاحظ دون كبير عناء، أنها أفلام لا تنزاح عن التصنيف الذي أجملناه. هذه الأفلام السينمائية التي تمكن الإشارة إليها على الشكل التالي: «نصف سماء/ وراء القطبان» لعبد القادر لقطع، و «الوشاح الأحمر» لمحمد الينسي، و «عايدة» لإدريس المريني، و «الحمالة» لسعيد الناصري، و «كاريان بوليود» لياسين فنان، و «الأوراق الميتة» ليونس الركاب، و «الشعيبية» ليوسف بريطل، و «الريف 58، 59» لطارق الإدريسي، و «جوق العميين/ صمت» لمحمد مفتكر، وغيرها طبعاً. أما في ما يتعلق بالأفلام السينمائية المغربية القصيرة، التي عرفتها هذه السنة و التي شاركت في المهرجانات المغربية، فمن أبرزها على الخصوص: «حوت الصحرا» لعلاء الدين الجم، و «العتبة» لعلال العلاوي، و «دنيا/ صرخة بلعمان» لجنان فاتن محمدي، و «دوار السوليما» لأسماء المدير، و»غضب» لنور أيت الله... وهذه الأفلام السينمائية القصيرة تنتمي في غالبيتها إلى سينما التأليف والإبداع الفني، بل إن بعضها قد ينتمي إلى سينما التجريب الإبداعي، وذلك لأن مخرجيها يسعون إلى تأكيد قدراتهم الفنية ورؤيتهم للعالم من خلالها بعيداً من تأثير عملية استحضار الجمهور وشباك التذاكر، بما أنها أفلام لا تكاد تعرض إلا في الملتقيات والمهرجانات السينمائية، وبالتالي لا يشاهدها في الغالب إلا نقاد السينما والمتتبعون لمجالها. لقد أثثت هذه الأفلام السينمائية المغربية، الطويلة منها والقصيرة، المشهد السينمائي المغربي وخلّف بعضها الكثير من الأصداء الجيدة سواء من خلال تتبع الجمهور لها أو من خلال المتابعات والدراسات النقدية. ويمكن التوقف في هذا الصدد عند فيلم المخرج السينمائي محمد مفتكر «جوق العميين»، وهو فيلم تم إنجازه في إطار سينمائي قوي ومحكم يعتمد على التأطير البنائي للمتواليات السينمائية من جهة وعلى عملية التركيب المتناسق خدمة للتوالي السردي المؤسس لمعاني الفيلم في كليته من جهة أخرى. وهو ما منح هذا الفيلم قوة تعبيرية سينمائية غنية بالدلالات الإنسانية العميقة، وجعل منه فيلماً سينمائياً ناجحاً، سواء من حيث القدرة على التحكم في قصة الفيلم التي تتحدث عن علاقات إنسانية (الأبوة والبنوة، الأخوة، الصداقة بين الجيران، صداقة العمل..)، مؤطرة داخل حي شعبي أو من حيث التعبير عنها بأدوات سينمائية محكمة الصنع. كما يمكن الحديث عن فيلم «إطار الليل» للمخرجة طالا حديد، وهو فيلم سينمائي نتلمس فيه ذلك البحث المضني عن الزمن الجميل الهارب باستمرار، زمن البراءة الطفولية والرغبة في استعادته من خلال العثور على الشخصيات التي تعايشت وتقاسمت لحظاته بعضها مع بعض. وبخصوص فيلم «نصف السماء»، نجد أن موضوعه الرئيس هو استعادة فصول من سيرة زوجة المعتقل السياسي السابق الشاعر والروائي عبد اللطيف اللعبي إبان فترة السبعينيات من القرن الماضي لحظة اعتقاله والظروف المصاحبة لذلك. أما بخصوص فيلم «عايدة»، فيمكن القول إنه يندرج ضمن الأفلام الإنسانية ذات البعد الاجتماعي التضامني، حيث سيادة الجوار الحسن بين الجيران على اختلاف دياناتهم. وفي السياق نفسه، نجد فيلم «خُنيفسة الرماد»، الذي اعتمد على الحكاية الشعبية في مضمونها الذي يمجد ذكاء المرأة ويبرزه بطريقة حكائية ممتعة، وإن سماه كيد النساء، وقدم انطلاقاً منها حكاية السلطان «مولاي الغالي»، الذي ستدفع به أمه إلى اختيار زوجة بمواصفات معينة، منها الذكاء والصبر والوفاء. أما فيلم» جوع كلبك» للمخرج هشام العسري» الذي يتابع به هذا الأخير مسيرة أفلامه السينمائية الطويلة، بدءاً من فيلم «النهاية» و «هم الكلاب « و «البحر من ورائكم»، فينتمي إلى سينما التأليف الفني بامتياز، سينما المغامرة التجريبية حيث تتجلى رؤية المخرج السينمائية عبر متواليات سردية متحكمة فيها بفنية، وحيث ينبني المعنى انطلاقاً من توالي المشاهد بطريقة تقاطعية رائعة. انطلاقاً من هذه المجموعة المميزة والناضجة من الأفلام الجديدة، بات في إمكاننا أن نرى أن السينما المغربية وهي تُنوع في عملية إنتاج أفلامها، تسير في الطريق الصعب، طريق توفير المتعة من جهة والمعرفة من جهة ثانية. وهي عملية ليست بالسهلة، وإنما تتطلب جهداً وعملاً فنياً مستمراً.