تختصر المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية في محافظة جبل لبنان اليوم مزيجاً من الطابع التنافسي على محدوديته بين القوى السياسية المسيحية في عدد من البلدات والمدن الرئيسة، ومن التوافقات بين هذه القوى وبين العائلات التي تلعب دوراً رئيساً في هذا الاستحقاق في لبنان، نظراً الى تداخل الحزبية مع العائلية وافتراقها عنها في الكثير من الأحيان في الشؤون البلدية والقروية. وإذ تجرى الانتخابات في 257 قرية وبلدة من أصل 313، باعتبار أن 56 مجلساً بلدياً فاز أعضاؤها بالتزكية نتيجة نجاح التوافق والائتلافات، فإن التحالفات في هذه الانتخابات بين الخصوم السياسيين (قوى 14 آذار وقوى 8 آذار) خضعت لخلط أوراق جديد بحيث يصح القول، لا سيما على الساحة المسيحية التي يشكل الجبل الثقل الأكبر فيها، إن الأطراف المتنازعة على الصعيدين السياسي والنيابي غلّبت في هذا الاستحقاق الرغبة في تجنب المعارك للفوز في السلطات المحلية، من دون أن يلغي ذلك اختبار القوة حيث تعذر التوافق، الذي تتوخى القوى منه إرسال إشارات الى بعضها البعض عن حضورها الشعبي قياساً الى حضور خصومها. وفي بعض القرى والبلدات تشكل هذه الانتخابات ميداناً لتغيّرات في المواقع مثل خوض «الحزب التقدمي الاشتراكي» بزعامة النائب وليد جنبلاط، الانتخابات في العديد من القرى المسيحية أو المختلطة مع الدروز، بالتحالف مع «التيار الوطني الحر» بزعامة العماد ميشال عون في مواجهة حليف الأمس في «قوى 14 آذار» أي حزب «القوات اللبنانية». إلا أن الإشارة السياسية الأهم لبدء عمليات الاقتراع البلدي اليوم والتي تمتد على 3 مراحل، هي أن هذا الاستحقاق بقي في موعده، وبإصرار من رئيسي الجمهورية ميشال سليمان والحكومة سعد الحريري على رغم الدعوات والمحاولات لخلق ظروف من أجل تأجيله الذي كانت قوى في المعارضة تفضله وكذلك قوى إقليمية بحسب قول مصادر سياسية بارزة ل «الحياة» أمس. وأنهى رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني بعد ظهر أمس زيارته بيروت، وأعلن أمس عن لقائه ليل أول من أمس الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله، بعد أن التقى (أمس) رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي. وقال بيان ل «حزب الله» إنه بحث مع أمينه العام «التهديدات الإسرائيلية للبنان وسورية وما يجرى في فلسطين والمسؤوليات العربية في مواجهتها». وفي هذا السياق، قال نصرالله في كلمة ليل أول من أمس في تكريم العاملين في «هيئة دعم المقاومة» إنه لن يعلّق على كلام وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس عن امتلاك الحزب صواريخ ما لم تمتلكه أكثر حكومات العالم، مشيراً الى أنه «كان يقف الى جانب نظيره الإسرائيلي إيهود باراك الذي يملك سلاح جو لا تملكه أكثر حكومات العالم وأسلحة كيميائية ومحرمة دولياً ويمارس إرهاب الدولة». وأوضح نصرالله أن»حزب الله» غير معني في أن ينفي أو يؤكد تملكه لأي سلاح وهذه سياستنا»، معتبراً أن «امتلاك أي سلاح حقنا الشرعي والقانوني والأخلاقي والإنساني لندافع عن الناس الشرفاء والمظلومين بفضل الوجود السرطاني لدولة إسرائيل، وحيث يمكننا أن نمارس هذا الحق سنمارسه ولن نتوانى على الإطلاق». ورأى أن «للضجيج أهدافاً منها الضغط علة المقاومة ولبنان والناس وسورية وإيران والأخوة الفلسطينيين»، مؤكداً أن «هذا الهدف لن يتحقق». لكن نصرالله قال: «عندما نتحدث عن سكود نكون نتحدث عن إيلات أي أبعد مدينة في فلسطينالمحتلة سيخاف أهلها»، وأضاف: «من جملة أهداف حملة السكود صرف النظر عن النزاع الأميركي – الإسرائيلي القائم». واعتبر نصرالله في شأن الحديث عن أجواء حرب أنه «إذا كان هناك مشروع كبير للمنطقة فهو يمكن أن يأتي بالحرب لكن ملامح هذا المشروع لا تبدو موجودة الآن»، داعياً اللبنانيين الى أن يهدأوا ويشتغلوا بالانتخابات البلدية. وإذ شرح نصرالله أسباب تفضيل الحزب اللوائح التوافقية في البلديات، قال بالنسبة للانتخابات في العاصمة بيروت التي تجرى الأحد المقبل: «لا نريد أن ندخل في نزاع مع أحد... حاول البعض أن يصوروا بيروت ذاهبة الى معركة وبدأ بعد الخطاب المذهبي. نحن حريصون على التوافق وإن فشلنا سنقرر كيف نتصرف لأن لدينا خيارات عدة وسنرى ما هو الخيار المناسب...». وإذ تشكل بيروت المحطة الثانية من التنافس السياسي المحتمل والذي سيأخذ طابعاً سياسياً إذا تعذر التوافق، فإن ترجيح عدم التوافق لم يمنع استمرار الاتصالات لمحاولة إيجاد صيغة توافقية للمجلس البلدي المؤلف من 24 عضواً مناصفة بين المسيحيين والمسلمين. وبين العاملين على التوافق «حزب الطاشناق» الأرمني الذي يقترح تخلي العماد عون عن مطلب تمثيله بمقعد سني على أن يحصل على 3 مقاعد مسيحية واثنين للأرمن يكونان حصة «الطاشناق»، لأن خياراً كهذا يضمن الفوز، فيما المعركة ستؤدي حكماً الى خسارة المعارضة في وجه «تيار المستقبل» ومسيحيي «14 آذار» والمستقلين. إلا أن مصادر مطلعة أشارت الى أن»حزب الله» يصر على حصول المعارضة على مقعد سني من باب عدم التخلي عن حلفائه السنّة في المعارضة وأنه أبلغ موقفه هذا الى الحلفاء. كما أشارت مصادر مطلعة الى أن الرئيس نبيه بري يعمل هو الآخر على خط التوافق. أما على صعيد عمليات الاقتراع اليوم في جبل لبنان، فإن الأنظار تتجه الى عملية التنافس التي ستجرى في بلدتي دير القمر (التي انفرط التوافق فيها وتم إعلان لائحتين) والدامور في قضاء الشوف، إضافة الى الحدث والحازمية وحمانا، في قضاء بعبدا، مقابل التوافق على عدد من البلديات الكبرى، فضلاً عن منافسة على بضع مقاعد في الغبيرة وبرج البراجنة. أما المنافسة الأبرز فسيكون مسرحها المتن الشمالي، على رغم نجاح النائب ميشال المر في التوصل الى توافقات واسعة في الكثير من البلدات مع «التيار الوطني الحر» و «القوات» و «الكتائب». وأبرز البلدات التي سيجرى فيها التنافس هي عمارة شلهوب – الزلقا، أنطلياس، سن الفيل، ضبية، بسكتنا وظهور الشوير. وستشهد مدينة جبيل تنافساً بين لائحة يدعمها «التيار الوطني» برئاسة الوزير السابق جان لوي قرداحي في وجه لائحة برئاسة زياد حواط تدعمها «قوى 14 آذار». وفيما تأخذ المنافسة في عاصمة القضاء طابع الصراع بين عون ومناصري الرئيس سليمان، فإن عون وحلفاءه يخوضون معركة قوية في بلدة قرطبا مسقط منسق «قوى 14 آذار» النائب السابق فارس سعيد، ضد تحالفه مع هذه القوى. كما أن التوافقات المتفرقة في قضاء كسروان لم تمنع حصول معارك في مدينة جونية وذوق مكايل وحراجل.