حض مفكرون وفقهاء عرب وسعوديون الأمة الإسلامية على نبذ الفرقة والحزازات في القلوب والمواقف الفكرية والسياسية، في وقت أكدوا فيه أن «الأمة أحوج ما تكون إلى اجتماع الكلمة»، وتدفع التشويه الذي يطاول قيمها وتاريخها ومقدساتها، وذلك قبل أن تستحكم «حلقات الفرقة واحدة تلو الأخرى، وتنفرط عقد الوحدة». وقال المفتي العام للأردن عبدالكريم الخصاونة في كلمة ألقاها نيابة عن المشاركين، في انطلاق أعمال مؤتمر «تحقيق الاجتماع وترك التحزب والافتراق»، الذي انعقد بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة أمس (الأربعاء). وأكد الخصاونة أن ما تتعرض له الأمة الإسلامية من تحديات يهدد هويّتها، ويفرّق كلمتها، ويعمل على تشويه دينها، والنيل من مقدساتها. وقال مفتي الأردن إن «هذا المؤتمر العلمي المبارك في هذا البلد الطيب، طيبة الحبيبة بعنوان: تحقيق الاجتماع وترك التحزب والافتراق، واجب شرعي ومطلب ديني». وأضاف: «لم تكن أمتنا في يوم من الأيام أحوج إلى تحقيق الاجتماع وترك التحزب والافتراق من أيامنا هذه، إذ استحكمت حلقات الفرقة واحدة تلو الأخرى، وانفرط عقد الوحدة». وشدّد على أن التحزّب لا يبدأ من الانحياز الطائفي أو العنصري فحسب، وإنما يبدأ من حزازات النفوس والقلوب التي تجتمع على المرء فتهلكه، ويبدأ أيضاً من الغلو والتطرف في التشبث بالرأي، حتى ولو كان حقاً لأن الاجتماع يعني النزول عن الرأي إيثاراً لجمع الكلمة ودرءاً لشق الصف. وأوضح الخصاونة أن أول طريق الاجتماع «أن نؤمن إيماناً راسخاً بأن سعينا في الاجتماع والاعتصام جميعاً هو كسعينا إلى الصلاة والصيام والصدقة، ووضع اليد على محل المرض الحقيقي بعيداً من الأوهام التي تغطي على قلوب الكثيرين فتدفعهم إلى التحزب والتفرق باسم الدين أو السنة أو العقيدة أو التوحيد وقد غفلوا عن أن كل هذه المسميات العظيمة إنما جاءت لتحقيق الاجتماع وترك الافتراق». من جانبه، أكد مدير الجامعة المكلف إبراهيم العبيد، في كلمته الافتتاحية، أهمية الوحدة الإسلامية ونبذ الفرقة والتعصب، وتحقيق الاجتماع، ووحدة الصف الإسلامي، من خلال سماحة الدين الذي قامت عليه السعودية منذ تأسيسها على يد الملك المؤسس عبدالعزيز حتى هذا العهد الزاهر لحكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، مضيفاً أن المملكة دولة محورية إسلامياً وعربياً وعالمياً، تسير وفق المبادئ والقيم والمثل العليا التي تستمدها من دينها الإسلامي الحنيف. ونوه العبيد بالاهتمام البالغ الذي توليه المملكة في سبيل تحقيق اجتماع المسلمين على الخير، وما أكرمها الله به من شرف خدمة الحرمين الشريفين، والقيام على راحة زوارهما، والقيام على خدمة أبناء المسلمين في كل مكان في العالم أجمع، إضافة إلى ما يقوم به علماء هذه البلاد من بيان أهمية وحدة الصف الإسلامي، وبيان سماحة هذا الدين وأنه صالح لكل زمان ومكان، لأنه الدين الذي وسع أهل الأرض جميعاً بعالميته ووسطيته. وبيّن أن الجامعة الإسلامية وهي تقيم هذا المؤتمر، فإنها تؤكد في رسالتها على الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وتحقيق وسطية الإسلام، ولين الجانب مع الناس، والبُعد عن مواطن الفتن، مفيداً بأن المؤتمر يؤكد كذلك أهمية حفظ الضرورات الخمس، وإبراز مكانة الثوابت الشرعية، وخطورة المساس بها، وبيان العواقب الوخيمة في الافتئات على ولي الأمر في الفتوى والحكم، وبيان أهمية الاجتماع، وخطورة التفرق والتحزب، وبيان أسباب الانحراف في مفهوم الجماعة والاجتماع، والتأكيد على تعزيز الوحدة الوطنية من خلال محاور المؤتمر وجلساته، التي سيثريها العلماء والأكاديميون المشاركون. من جانبه، أكد رئيس مجلس الشورى عبدالله آل الشيخ، في كلمة ألقاها نيابة عن ضيوف المؤتمر أن المملكة «هيأ الله لها حكومة تحفظ هذا الدين، وتقدمه إلى العالم بوسائل عصرية حديثة، وبأسلوب مميز، ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك إنشاء هذه الجامعة المباركة، ونحمد الله تعالى أن هيأ لهذه البلاد المباركة في هذه المرحلة الصعبة التي تعيشها المنطقة بل وجميع بلدان العالم حاكماً حازماً يدرس الرأي، ثم يتوكل على الله ويحزم أمره، وهو خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز». وأثنى آل الشيخ على ما يحمله المؤتمر من مواضيع مهمة، «خصوصاً في هذه المرحلة الصعبة التي تعيشها الأمة الإسلامية بعمومها، والمنطقة خصوصاً»، مبيناً أن المؤتمر يبحث في ظروف مهمة تحفظ الضرورات الخمس، وتبيّن أثر التحزب، والوقوف عند التسميات الحزبية البسيطة، والانشغال بها عن المعنى العام الذي دعت له هذه الشريعة المباركة، من خلال بحوث مؤصلة من باحثين جادين مما يحفظ وحدة المسلمين. وأردف أن المؤتمر يبرز جانب الشريعة الإسلامية والثوابت التي تحافظ عليها، كما يبين خطورة الافتئات على ولي الأمر، سواء بجانب الفتوى أم في الجوانب الأخرى التي هي من اختصاصه ونصت عليها الشريعة. وشهدت بداية المؤتمر تكريم المشاركين فيه وضيوفه، ولا تزال جلساته تعقد بقاعة الملك سعود بالجامعة الإسلامية، وقاعة كلية الدعوة وأصول الدين، فيما خُصّصت قاعة دار الحديث المدنية لحضور المشاركات في المؤتمر الذي يستمر يومين.