الأحد 25/4/2010: مثلما كان تحت النوافذ المطلة على الشاطئ حطام ألعاب أطفال أجانب. ألعاب مثل نبيلات التاريخ بثيابهن الملونة، وألعاب عارية في لون فتاة بيضاء تحت شمس الصيف. يراها المارة محطمة تحت النوافذ. يتنافس الأطفال الوطنيون على بعض لعبة، جذع أو ذراع أو ساق، ثم يواصلون سيرهم الى المدرسة. تلاميذ يتساوون في ثياب موحدة، تفرق بينهم الأحذية. كم كان صعباً حفظ الجورب في مكانه لا ينشدّ الى داخل الحذاء ويظهر وتر القدم مثل حبل أبيض. لا أجانب الآن ولا ألعاب ولا تلاميذ فقراء. الأبراج تحتل الشاطئ بسكانها الوطنيين. سادة وطن تحقق استقلاله وترسخ نظامه. سادة وفي مقابلهم عبيد، مثلما الحال منذ آلاف السنين، ولكن، هنا عندنا، مع مظهر حديث جداً. الاثنين 26/4/2010: تنويرهم هاشم صالح سوري – فرنسي من دعاة التنوير العرب، وفي مقالاته كما في مؤلفاته يتابع ما تغرق فيه بلادنا، فوضى الأفكار قبل أن تكون فوضى الصراعات والحروب. لا تستغرقه بل يعلو عليها ليراها. وأحدث إطلالاته كتابه «معارك التنويريين والأصوليين في أوروبا» (دار الساقي – لندن، بيروت)، حيث يرسم خريطة المعارك كالتالي (هل تشبه خريطتنا الموعودة؟): «لا يمكن أن نفهم سبب اندلاع حركة كبرى كالتنوير إن لم نأخذ في الاعتبار الحيثيات الاجتماعية والتاريخية. فالأفكار لا تنبت في الفراغ ولا تبقى معلقة في سماء التجريد والميتافيزيقا. الأفكار ممتزجة بالواقع المحيط ومشروطة به. إنها تؤثر عليه وتتأثر به. وكل حركة فكرية جديدة هي رد على سؤال مطروح في الواقع، سؤال ينخر أحشاء الواقع ويؤرق الجميع من دون أن يجدوا له مخرجاً. وبالتالي، ينبغي أن ننتهي من المنهجية المثالية لتاريخ الأفكار التقليدي الذي يستعرض حركة الفكر منذ سقراط حتى اليوم، بتعداد المنظومات الفكرية الواحدة بعد الأخرى، من دون ربطها بالظروف التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية المحيطة. هذه المنهجية التي تؤمن بأن للأفكار قواماً متماسكاً بمعزل عن كل شيء كانت سائدة في جامعة السوربون حتى أمد قريب، قبل أن تحلّ محلّها منهجية العلوم الإنسانية والاجتماعية. ولسوء الحظ فإنها لا تزال سائدة في الجامعات العربية وتهيمن على عقول الكثير من المثقفين عندنا. هؤلاء ينسون كلمة هيغل: الفلسفة بنت زمانها. كل فلسفة حقيقية هي عبارة عن جواب عن المشكلة المطروحة في عصرها. والآن نطرح السؤال: ما هي الحاجة الفكرية التي لبّتها فلسفة الأنوار؟ ولماذا ظهر التنوير أساساً؟ هناك أجوبة عدة على هذا السؤال. ولكن يخيّل إليّ أن الجواب الأساسي يكمن في أن التنوير انبثق كجواب حتمي على التعصب الديني الذي كان يضرب في أنحاء أوروبا حتى القرن الثامن عشر على الأقل. فقد دفعت أوروبا ثمناً باهظاً من جراء الصراعات الدينية أو المذهبية أو الطائفية. واشتعلت فيها الحروب الأهلية على مدار القرنين السادس عشر والسابع عشر. لكنها استمرت في مناطق معينة بعد ذلك التاريخ، وهي امتداد عقلية محاكم التفتيش التي سيطرت طوال العصور الوسطى والتي كانت تخنق الأنفاس قبل العقول... ضد كل هذه الأشياء ظهرت حركة التنوير التي تمثل أكبر حركة فكرية في العصور الحديثة. وهي التي أعطت لأوروبا وجهها الحديث وهويتها وقيمها الأساسية المتمثلة بحرية الاعتقاد والضمير، ثم الاعتراف بالتعددية الدينية والسياسية وحقوق الإنسان والمواطن وبقية الحريات الديموقراطية». الثلثاء 27/4/2010: البشيرون فاز الرئيس السوداني عمر حسن البشير بولاية جديدة. كانت مبايعة أكثر منها عملية انتخابية والتعبير التراثي هذا يوافق هوى قائد ثورة الإنقاذ. الولاية الجديدة ستقيم الحد نهائياً بين شمال وجنوب، ليتحرر الرئيس القائد من هموم مواطنيه الوثنيين والمسيحيين، ويتفرغ للمسلمين يحكمهم كما يرغب هو لا كما يرغب شريكه السابق الشيخ حسن الترابي. موعدنا في الانتخابات المقبلة مبايعة على خلافة لا على رئاسة، والعقبى للراغبين، والتعازي لكل مواطن ومواطنة. الأربعاء 28/4/2010: أسوار ليست حركات تحرر بل حروب لتكريس الانكفاء، وأن نقفل بلادنا فلا نغادرها ولا نستقبل غريباً. داخل الأسوار ندفأ بالمعاني الأليفة لا تستفز ولا تتطلب أسئلة. ولكن، ماذا نفعل بجسد يربطنا بالبشر الآخرين وإمكان أن يحب واحد منا واحدة منهم أو أن تحب واحدة منا واحداً منهم؟ لا الغزو ولا المدافعة ما يجمع البشر. إنه الحب الذي بالجسد يصل الى المعنى المشترك. هذا العالم بيتنا جميعاً. هو ميدان مواجهة بين مدى للحب وأسوار للعزلة والاختناق. نعيش عصر الأسوار، ولكن، لا يزال ممكناً أن يقرر أفغاني أو أفغانية أن يكون (تكون) مواطناً (ة) في أميركا، ويكون له (ها) ذلك، ربما في بالتيمور بالذات، المكان الأقرب الى القلب في الولاياتالمتحدة. في المقابل يبدو مستحيلاً أن يقيم أميركي إقامة دائمة في أفغانستان، ويتقبله جيرانه، بالذات في قندهار، المدينة الأكثر انكفاء وعناداً في ذلك البلد الآسيوي. لا يرجع السبب، بالضرورة، الى أن اميركا تحتل أفغانستان وأن «طالبان» هي من يقاوم الاحتلال: انها تقاومه لاستكمال بناء الأسوار لا لمجرد التحرير. من يذكر حكم طالبان الوجيز لأفغانستان ؟ كان خنقاً لا حكماً. ولكن، مالي ولأفغانستان وما شأني بها؟ أتحدث عن بلادي وطالبانها الموعودين، بدءاً من تجاربهم الناجحة في كتم الجسد، وإطفاء الروح اللصيقة بالجسد. الخميس 29/4/2010: صناديق العرفج أحمد العرفج كاتب سعودي ضاحك، يميل الى كتابة المفارقة الباعثة على الابتسام فيصل نقده الاجتماعي الى القارئ بأهون السبل. كاتب يعرف جيداً تراث الابتسام العميق من أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ الى مارون عبود اللبناني. مختارات من تعليقاته الصحافية أصدرها عن دار بيسان في بيروت في عنوان «هذه صناديقي... مقاولات عامل معرفة»، نختار منها: - يكفي أن نعرف أن حمار القاضي عندما مات خرجت القرية كلها لتشييع جنازته. وعندما مات القاضي لم يخرج إلا من كانوا يحملون النعش. - من الوظائف الجديدة ما انبثق من عالم التفجير والتطرف، فقد أصبح الكل يرفض هذا الفعل ويمقته، بمن في ذلك من كان يؤيده ويدعمه، لذلك يمكن أن نطلق على البعض ممن تواتر ظهوره في وسائل الإعلام رافضاً الإجرام مسمى «مدين تفجيرات»، وهو الشخص الذي ينبري للشجب بعد حدوث فعل التفجير القبيح مباشرة، وإن كان في السر من المؤيدين له، أو كان بالأمس من المنادين به. - عندما أطلقت على الرئيس بوش لقب «الشيخ» ذهلت من عدد الذين أطلقوا عليه هذا اللقب (40 صفحة من محركات «غوغل»)، ومع الاحترام لهم فهم لم يبرهنوا لماذا يستحق الرجل هذا اللقب، ورأيي أن الرجل قرأ الثقافة العربية واستفاد من تقسيماتها، والأدلة هي: (1) قسم بوش العالم الى محور خير ومحور شر، وهذا التصنيف مأخوذ من تصنيف الفقهاء «دار كفر» و «دار إسلام». (2) أعلن بوش «الضربات الاستباقية» ويبدو أنه استقاها من باب «سد الذرائع». (3) نادى بنظرية «من ليس معنا فهو ضدنا» وربما كان مصدره «الولاء والبراء». (4) يحرص بوش على التقرب الى شعبه الأميركي من باب «الأقربون أولى بالمعروف» نائياً بنفسه أن يكون «نخلة عربية عوجاء» ترمي تمورها في غير حوضها. - نقل الطبري في تاريخه أن الخليفة أبو جعفر المنصور هو أول من أعطى لجهاز الاستخبارات مكانته: «قال أبو جعفر المنصور: ما أحوجني الى أن يكون على بابي أربعة نفر لا يكون أعفّ منهم، قيل له: من هم؟ قال: أركان الملك ولا يصلح الملك إلا بهم كما أن السرير لا يصلح إلا بأربعة قوائم إن نقص واحد وهى. أما أحدهم فقاض لا تأخذه في الله لومة لائم، والآخر صاحب شرطة ينصف الضعيف من القوي، والثالث صاحب خراج يستقصي ولا يظلم الرعية. والرابع – ثم عضّ على إصبعه السبابة ثلاثاً، يقول في كل مرة آه... آه – قيل له: ومن هو يا أمير المؤمنين؟ قال: صاحب خبر يكتب بخبر هؤلاء على الصحة». الجمعة 30/4/2010: رهان اتصل بي في اليوم الأخير من زيارته. لم يرغب بإزعاجي خلال أسبوعين قضاهما في لبنان يتنقل في المناطق ثم يعود مساء الى أهله في صيدا. مضى عشر سنوات على مغادرته لبنان مستوطناً الولاياتالمتحدة وهو مقتنع بعمله وإقامته هناك ومتفائل، على رغم نوبات حنين يستعين عليها بالانترنت وبمكالمات هاتفية. لقاؤنا كان في المطار للاستقبال والتوديع في وقت واحد. قال إن اليوم الأخير من زيارته كان الأفضل إذ تجول في الشريط الحدودي الجنوبي. لم تكن جولته سياحة بل رؤية لظاهرة سيتحدث عنها لأصدقائه الأميركيين. لم يهتم بموضوع المقاومة ولا بالحد الفاصل بين أرض عربية لبنانية وأرض إسرائيلية كان اسمها فلسطين. ما لفت نظره هو طفرة البناء التي ينفذها اللبنانيون حتى الأمتار الأخيرة من حدودهم. شرفاتهم تطل على إسرائيل/ فلسطين. ورصيف المشاة يحاذي مباشرة الشريط الشائك الذي أقامه ويرعاه الجيش الإسرائيلي. طفرة بناء مدهشة تبعث على التأمل: ما هي عناصر ثقة هؤلاء اللبنانيين حين يصرفون جنى العمر على أبنية ستتعرض للدمار في أي حرب؟ كم يبدو غريباً هذا الرهان، حين يسمعون ويسمع العالم كلام الحرب يضج؟ قال إنه في الزيارة المقبلة سيصطحب أصدقاء أميركيين ليشهدوا رهان اللبنانيين أصحاب العلاقة على السلام من دون ضجة إعلامية. واستغرب صديقي حين ودعته من أن اللبنانيين المقيمين لم يروا ما رأى، ودعاهم الى الزيارة والتأمل.