يبدو أنّ معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية التي تُعتبر أهمّ اتفاقية للحدّ من الأسلحة النووية في العالم والتي مضى أربعون عاماً على التوصل اليها وعلى توقيع 189 دولة عليها، تعاني أزمة عميقة. فهل يمكن إنقاذها وتعزيزها أيضاً حتى تواجه تحديات الأمن الدولي في العقود القادمة؟ ستكون هذه هي مهمّة مؤتمر مراجعة معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية المزمع عقده في نيويورك من 3 ولغاية 28 أيار (مايو) المقبل مع العلم أن هذا التاريخ هو أحد أهمّ التواريخ الخاصة بالمسألة النووية. وللأسف لا تشير التوقّعات إلى أنّ المؤتمر سينجح في جعل العالم يتمتع بأمن أكبر. وتحيط الشكوك بكلّ ما يتعلّق بالأسلحة النووية وتغيب الثقة بين الدول النووية والدول غير النووية وبين الدول التي تلتزم القوانين وتلك المشتبه في أنها تخرقها. ففي الواقع، لطالما اتسمت اللعبة النووية بالسرية وبالرياء والنفاق. أُنشئت معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية على أساس صفقة ثلاثية الأطراف: 1- قطعت خمس دول نووية هي الولاياتالمتحدة وروسيا والمملكة المتحدة وفرنسا والصين على نفسها عهداً بالتخلص من الأسلحة النووية. غير أنّ عملية نزع السلاح بقيت مجرّد غاية مبهمة بدل أن تتحوّل إلى واقع ملموس. كما لم يتمّ الإعلان يوماً عن الموعد المفترض لحصولها. 2- تعهدت الدول غير النووية التي وقّعت على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية بعدم حيازة الأسلحة النووية على رغم أنّ بعضها حاول القيام بذلك سرّاً تحت غطاء المعاهدة. 3- ولمكافأة هذه الدول على تعهدها بالتخلي عن الأسلحة النووية، جرى وعدها بحصولها على الوقود والتكنولوجيا النووية على أن تستخدمها لأغراض مدنية سلمية. لكن تمّ في أغلب الأحيان إنكار حقّها في الوصول إلى هذه المواد. باختصار، تمّ خرق الصفقة التي قامت عليها معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية بدلاً من احترامها. واليوم، يبدو خطر انهيارها محدقاً بها، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط. يشير الوضع الحاضر الى أن الدول النووية الخمس الأولى لم تنزع سلاحها بالكامل ولا تبدي أيّ نية جدية للقيام بذلك. حتى أن الخطاب الذي ألقاه الرئيس باراك أوباما في مدينة براغ في شهر نيسان (أبريل) 2009 والذي أعلن فيه عن «التزام أميركا السعي إلى فرض السلام والأمن في عالم خالٍ من الأسلحة النووية» لم ينعكس الى الآن على السياسات العملية. والجدير ذكره أنّ كلاً من الولاياتالمتحدة وروسيا اتفقتا على تقليص حجم ترسانتهما النووية بعد أن وقّعتا على معادة «ستارت» الجديدة في بداية الشهر الحالي، إلا أنّ ترسانتهما النووية لا تزال كبيرة وتضمّ آلاف الأسلحة الإستراتيجية والتكتيكية في كل جانب. فهذه ليست الطريقة المناسبة لنزع السلاح النووي. وجّه سلوك كوريا الشمالية ضربة أخرى إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. فبعد أن وقّعت على المعاهدة، راحت تسعى سرّاً إلى حيازة الأسلحة النووية واختبارها. وعندما صبّ المجتمع الدولي غضبه على كوريا الشمالية بسبب خرقها القوانين، انسحبت من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية وتمّت منذ ذلك الحين معاملتها كدولة منبوذة. وجّهت كذلك ثلاث دول أخرى ضربة قاسية إلى آمال نزع هذه الأسلحة ومنع انتشارها والوصول إلى التكنولوجيا النووية واستخدامها لأغراض سلمية. فقد أنتجت كلّ من إسرائيل والهند وباكستان أسلحة نووية ورفضت الانضمام إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. إذ يبدو أن وجود المعاهدة لم يطرح أي عائق أمام هذه الدول يمنعها من أن تتحول الى دول نووية. حتى أنها لم تواجه تبعات سيئة نتيجة تطوير الأسلحة ولم تسمع كلمة تأنيب واحدة. بل على العكس، وعلى رغم أن إسرائيل أصبحت دولة «نووية» في الستينات، فهي تحصل منذ ذلك الحين على مساعدة أميركية مالية وعسكرية سخية، فضلاً عن دعم سياسي كبير لها. حتى أنّ الولاياتالمتحدة رفضت بشدة إثارة مسألة الترسانة النووية الإسرائيلية علناً. ونتيجة لذلك، تمكنت إسرائيل من الحفاظ على هيمنتها النووية في الشرق الأوسط، الأمر الذي تعتبره بالطبع عاملاً أساسياً لضمان سيطرتها العسكرية الإقليمية. كما أنها استخدمت القوة تكراراً لمنع الدول الأخرى في المنطقة من حيازة الأسلحة النووية. وأفلتت كلّ من الهند وباكستان من الانتقادات أو من العقوبات بسبب أنشطتهما النووية. فسُمح للهند بالوصول إلى الوقود والتكنولوجيا النووية الأميركية فيما حصلت باكستان التي تُعتبر حليفة مقربة من أميركا في الحرب على حركة «طالبان» على مساعدة مالية أميركية كبيرة. غير أنّ إيران لم تتلقَ هذه المعاملة التفضيلية بما أن عزمها على السيطرة على دورة وقود اليورانيوم قد أثار الشكوك بأنها تحاول سرّاً صناعة أسلحة نووية أو أقله حيازة القدرة التقنية على أنتاجها بسرعة كبيرة في حال حدوث أي طارئ. وقّعت إيران على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وسمحت لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمعاينة منشآتها. كما نفى زعماؤها مراراً سعيهم إلى حيازة الأسلحة النووية، وأعلنوا أنّ حيازة هذه الأنواع من أسلحة الدمار الشامل تتعارض مع التعاليم الإسلامية. غير أنهم دافعوا عن «حقّهم المطلق» في استخدام الطاقة النووية لأغراض مدنية علماً أن المعاهدة تمنحهم هذا الحقّ. إلا أنّ ذلك لم يحمِ إيران من التهديد بفرض عقوبات إضافية عليها أو شن اعتداء عسكري ضدها. وكانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون تسعى جاهدةً لحشد الدعم الدولي لقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي يقضي بفرض عقوبات أقسى على إيران. فهي تعتبر أنّ هذه العقوبات كفيلة بإقناع إيران بالبدء بمفاوضات حقيقية «بنية حسنة» حول برنامجها النووي. وقالت هيلاري كلينتون لصحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية في 19 نيسان (أبريل) الجاري أن «غضّ الطرف عن الخطر الذي تفرضه إيران كفيل بزعزعة استقرار العالم في غضون ستة أشهر أو سنة». وبدت وكأنها تلمّح من خلال كلماتها هذه إلى احتمال أن تشن إسرائيل ضربة ضد إيران. وأضافت متساءلةً: «ما هو البديل؟ البديل هو السماح لهم بالاستمرار في صناعة الأسلحة النووية... وهذا سيؤدي الى سباق تسلح بين جيرانهم... وقد يشعل نزاعاً. ولا أظنّ أنه يمكن المخاطرة بذلك». ربما يجب أن يقترح شخص ما على السيدة كلينتون مقاربة جديدة، مثل تقديم حوافز إلى إيران بدلاً من تهديدها. فقد أعلنت كلّ من تركيا والبرازيل والصين أنّ فتح حوار مع إيران سيحقق نتيجة أفضل من مواجهتها. وقد تتعاون إيران اذا حصلت على ضمانات أمنية لا سيما لجهة استبعاد ضربة إسرائيلية محتملة ضدها. كما أنها قد تتعامل بإيجابية مع المسألة النووية في حال شجعت أميركا دول الخليج على إشراكها في حلف أمني إقليمي. وقد تلطّف إيران الخطاب المعادي لأميركا وإسرائيل في حال نجحت واشنطن في إقناع حليفها الإسرائيلي بالسماح بقيام دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة. يرى البعض أن الشرق الأوسط هو منطقة أساسية لتحقيق الأمن العالمي. ويترتب على الرئيس أوباما الاستمرار في بذل جهوده للتوصل إلى مصالحة مع إيران ومع العالم الإسلامي في شكل عام، وبعدم السماح للصقور في إسرائيل وواشنطن بإبعاده عن الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها. * كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط