أوصى المشاركون في ندوة «نحو منهج علمي أصيل لدراسة القضايا الفقهية المعاصرة» التي اختتمت في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أمس، بضرورة تضمين مناهج الدراسات الشرعية طرق البحث الفقهي في القضايا المعاصرة، خصوصاًً لطلاب الدراسات العليا. وشددوا على أهمية وظيفة الخبير في المسائل الطبية والاقتصادية والاجتماعية وسائر التخصصات ذات العلاقة في تصوير أسباب الواقعة ومآلاتها، مشيرين إلى أن الغفلة عن هذه تعد خللاً في الدراسة الفقهية. ودعوا إلى الحذر من مثارات الخطأ في الاجتهاد في القضايا المعاصرة التي من أهمها غياب التصور الصحيح للقضية على حقيقتها وواقعها، وعدم مراعاة ترتيب الأدلة في القضايا المستجدة، والاعتماد على الجهد الفردي الخاص والبحث النظري المجرد في الكشف عن حال القضية.وطالبوا بتفعيل التوصيات التي خرجت بها هذه الندوة من خلال نشرها، وتزويد أهل الاختصاص في المجامع الفقهية ومراكز الفتوى والهيئات الشرعية وأقسام الدراسات الشرعية في الجامعات بنسخٍ منها. وكانت جلسات الندوة أمس تضمنت ورقة بحث بعنوان: «أخطاء منهجية في دراسة القضايا الفقهية المعاصرة» ألقاها أستاذ الفقه المشارك في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة القصيم الدكتور فهد اليحيى ذكر فيها أن القضايا المعاصرة أصبحت فقهاً جديداً قائماً بذاته له أصوله وفروعه، ولذا كان لا بد من دعوة لضبط هذا الفقه وربطه بالمصدر الأكبر وهو التراث الفقهي الإسلامي، مشيراً إلى أن من عوامل الضبط التنبيه إلى الأخطاء المنهجية في هذا الفقه المعاصر بالمسائل المعاصرة الحادثة أو ما يسمى النازلة، والتي ليس لها مسمى سابق في كتب الفقه المذهبية وإن وجدت لها علاقة ما بأي مسألة فقهية سابقة. ولفت إلى أهمية أن يتأكد الباحث عند تفسيره، من صحة هذا التفسير ومطابقته للقول، وألا ينسب إليه لوازم لا يمكن الجزم بها، مضيفاً أن مثل هذا الخطأ يفقد الثقة في نسبة الأقوال إلى أصحابها ويصوّر الباحث كمن يسوّق قوله باسم غيره، وإلا فليكن الباحث شجاعاً في اعتبار ما قال به قولاً جديداً وليدع لغيره الحكم عليه. وأكد أن الشراء من اليهود ليس حراماً. وقال: «الرسول صلى الله عليه وسلم اشترى من اليهود، والشراء منهم لا ريب أن فيه إعانةً لهم لكنه لم يجعلنا في الحياة منعزلين بل نعاملهم بما ينفعنا أولاً وإن كان فيه نفع لهم، فتلك طبيعة الحياة». ودعا اليحيى إلى مواكبة مستجدات العصر. وتابع: «من المهم في منهج دراسة القضايا المعاصرة ألا ينقطع الاتصال بالواقع في جميع مراحل دراسة القضية المعينة، بمعنى أن نستصحب التكييف أو الحكم الذي قررناه في هذه القضية في جميع أحوالها وصورها وأن نمنح وقتاً كافيا للتأمل في آثار هذا التكييف أو الحكم وتمحيص ثمرة الخلاف بين أقوال الفقهاء السابقين». وتحدث أستاذ قسم أصول الفقه في كلية الشريعة الدكتور أحمد الضحوي في ورقة بعنوان: «وظيفة الخبير في النوازل الفقهية» عن مفهوم الخبير ووظيفته وصفاته. وشدد على أهمية أن يلجأ غير أهل الاختصاص بالمسائل الطبية الدقيقة، والمعاملات المالية المعقدة، وما أشبهها من مسائل العلوم الأخرى، إلى المتخصصين وأهل الخبرة، واستشارتهم فيها والاستعانة بهم، والرجوع إليهم في القضايا المتعلقة باختصاصهم من المبادئ التي أجمع عليها الفقهاء في المذاهب الإسلامية ومعرفتهم الكاملة ببواطن فنهم». وتطرق إلى أن من المسائل الشائعة التي تتطلب الرجوع إلى رأي الأطباء بتر الأعضاء، وزراعتها، وأطفال الأنابيب، وإجهاض الأجنة المشوهة، والحكم ببقاء الحياة، أو الموت، وفصل الأجهزة الطبية عن الميت دماغياً، وتقدير نوع الجناية، ومقدارها، وتشريح الجثث، وشق بطن المرأة الميتة لاستخراج الحمل، مشيراً إلى أن بإمكان العلماء اليوم التعرف على الجينات المورثة وصفات الكائنات الحية، والتدخل فيها بهدف تغيير بعضها. وأكد أن العلماء أجمعوا على اشتراط الخبرة والحذق فيمن يستعان به من أهل الاختصاص، ودل على اعتبار هذا الشرط الكتاب والسنة وعمل الصحابة، لافتاً إلى أن لهذا العلم جوانب إيجابية، كاكتشاف ما يسمى ب«البصمة الوراثية» وإمكان الوقاية من الجراثيم والأحياء الدقيقة وبعض الأمراض الوراثية.