التوهج الإعلامي للحراك الشرق أوسطي الذي أحدثته الحروب العسكرية والإعلامية، كان له الفضل في تعريف أبناء القارة السعودية حدود بلادهم، واستذكار خريطة الجغرافيا التي فارقها الكثيرون في الصف الثاني المتوسط. لم يكن يعرف الجيل الصاعد أن جبل دخان والخوبة هي أهم الحدود الجنوبية للوطن، وتاروت شبه جزيرة سعودية. حتى أصبحت هوية الصغار والكبار «الحزم والعزم»، يستأنس بها المقصرون في أعمالهم ومن يراقبون أداء أقاربهم وأصدقائهم في العمل، حينما تكون كلمة القائد محوراً للتأثير، ورسالة راسخة يحتذي بها كل من يلوذ عن الحدود. يقول مُعلم الجغرافيا عبدالرحمن اليامي في أحد المدارس السعودية: «كان شكل الخريطة أمام الطلاب مجرد استعراض مصور، لم يُفكر أحدهم أن يسألني طوال سنوات عملي عن الحدود الغائبة وتفاصيل الخريطة، إلا أن الأحدث المعاصرة جعلت من حصة الجغرافيا ساحة معركة على الورق يتعلق بها الطلاب لمعرفة تفاصيل حدود بلادهم». وفي أحد شركات الدعم الفني لتقديم الخدمات التجارية تفاجأ الشاب وائل العماري أن للسعودية حدوداً مشتركة في الحد الجنوبي يتعايش فيها الأهالي بالود والوئام والنسب واحترام حق الجوار، ولم يتخيّل أن الحدود العراقية مغلقة بسياج أمني متطور لا يسمح بمرور حتى الحشرات. وقالت الباحثة في جغرافية الجريمة في قسم الجغرافيا في جامعة الملك عبدالعزيز ل«الحياة» أريج الغامدي: «تلعب الجغرافيا بفروعها المختلفة دوراً مهماً في التدخل في سير وعمل مختلف الأنشطة السياسية والعسكرية، إذ تعد الأرض مسرحاً للعمليات العسكرية، كما ولا يمكن البدء بتحرك عسكري من دون دراسة مسحية وتحليل للمنطقة المستهدفة، بحدودها الطبيعية والبشرية، وظروفها البيئية، وعلاقتها مع الدول المجاورة، وتوزيع السكان لأسباب عدة، لعل أبرزها رسم المسارات جوياً وبرياً وبحرياً للتحركات العسكرية، وفرض السيطرة على مراكز القوى في منطقة الصراع بأقل الخسائر المادية والبشرية، وأن غالبية الدراسات السياسية الجغرافية تمس الواقع العربي والعالمي، فهي تدرس الإمكانات الجغرافية المتاحة للدولة والخصائص المكانية للعمليات والعلاقات السياسية بين دول الجوار، ونقاط الضعف والقوة للدول، وغيرها من المواضيع السياسية المكانية». وأضافت الغامدي «توجد دراسات عدة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيك، تطرقت للتطورات المستقبلية السياسية لعدد من الأقطار العربية والعالمية، التي بدأنا نرى معالمها فعلياً اليوم، ولم تشر إليها الصحف العربية ولا الإعلام، نتمنى أن توظف الأقلام العربية للكتابة عن نتائج تلك الدراسات المهمّشة، خصوصاً تلك الخاصة في الشأن الإيراني في ظل الأحداث الراهنة». ويعتبر علم رسم الخرائط حالياً أقل عناية بعد دخول الخرائط الإلكترونية، ومنها ما هو مباشر عبر الأقمار الاصطناعية، عوضاً عن التحديث المستمر الذي كان يحدث للخرائط الورقية. كما عرفت أقدم خريطة والتي وجدت في العراق وصنعت عام (2500 ق. م)، تظهر إحدى المستوطنات الكائنة على جبل مطل، وكان على شكل قطعة طين. حتى قدّم المصريون بإنتاج خرائط تعود إلى القرن ال14 قبل الميلاد، إذ طوروا تقنية في المساحة الأرضية، تمكنهم من إعادة رسم حدود الملكيات الزراعية على ضفاف نهر النيل بعد كل فيضان. وأول من رسم خريطة العالم هو الإصطخري (300ه، 912)، وهو أول من رسم خريطة للعالم الإسلامي على مذهب أهل الرحلة والمشاهدة الشخصية.