حضرت التهديدات الإسرائيلية للبنان بذريعة امتلاك «حزب الله» صواريخ عبر سورية، والتصريحات الأميركية في هذا الصدد في محادثات رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني مع نظيره اللبناني سعد الحريري في بيروت امس، في إطار اجتماعات اللجنة العليا المشتركة بين البلدين التي تخللها التوقيع على مجموعة من الاتفاقات ليلا. كما تناول الحريري هذه التهديدات أيضاً مع المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان مايكل وليامز الذي قال إنه لا يعتقد «أن هناك احتمالاً لنشوب حرب»، معتبراً أن «التوترات في المنطقة ستتراجع قليلاً الآن». وإذ أشار وليامز الى أنه «حتى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو قال في شكل واضح (اول من) أمس إنه لن تكون حرب مع سورية»، فإن التصريحات التي أدلى بها كل من وزيري الدفاع الأميركي روبرت غيتس والإسرائيلي إيهود باراك في واشنطن أول من أمس عن أن طهران ودمشق تزودان «حزب الله» بصواريخ لقيت رداً من «حزب الله» على لسان أحد نوابه حسن فضل الله الذي قال إن «السلاح الأميركي هو الذي يفتك بالشعوب»، مؤكداً أن إسرائيل وأميركا عبر الحملة ضد تسلّح «حزب الله» تحاولان تقييد المقاومة. وشدد وليامز على أن المسؤولين الإسرائيليين أبلغوه حين زار إسرائيل مطلع الأسبوع التزامهم تطبيق القرار 1701، كذلك فعل الحريري باسم لبنان والوزير محمد فنيش عن «حزب الله» حين التقاه الأسبوع الماضي. ونفى وليامز علمه بأي شيء عن صواريخ «سكود» مشدداً على أن ال1701 ينص على أن «أي نقل للسلاح يجب أن يكون فقط للحكومة اللبنانية». ورأى رئيس المجلس النيابي نبيه بري بعد اجتماع مع الحريري أن إثارة موضوع صواريخ «سكود» من قبل إسرائيل هو «للتعمية على ما يخطط لجر السلطة الفلسطينية الى التفاوض وللتغطية على التعقيدات في العلاقة الأميركية – الإسرائيلية». وإذ تناول بري والحريري التطورات على كل الصعد، بما فيها الانتخابات البلدية التي أخذت تستحوذ على اهتمام أقطاب السياسة اللبنانية التي تجرى المرحلة الأولى منها الأحد المقبل في جبل لبنان، فإن الانتخابات في العاصمة بيروت، والتي تجرى في المرحلة الثانية (9 أيار/ مايو مع محافظة البقاع)، باتت تشغل معظم القوى السياسية مع انتهاء مهلة الترشيحات منتصف ليل أمس، في ظل عدم نجاح جهود التوافق في العاصمة بين تيار «المستقبل» وحلفائه في قوى 14 آذار من جهة وبين قوى المعارضة، خصوصاً «التيار الوطني الحر» بزعامة العماد ميشال عون و «حزب الله» من جهة ثانية، وترجيح الاتجاه نحو معركة انتخابية طابعها سياسي. وبرز رجحان كفة المعركة على التوافق أمس من خلال استقبال عون لوفد من القوى البيروتية والسنّية المنضوية في المعارضة فوّضه التفاوض على حصول المعارضة على 40 في المئة من مقاعد المجلس البلدي، ثم في استقبال نائب الأمين العام ل «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم لوفد آخر تحدث عن أهمية المعركة الانتخابية في بيروت فيما شدد قاسم على «العمل بعقل منفتح وروح رياضية بعيداً من التشنجات، وعدم الانزلاق في متاهات الخطاب السياسي الحاد». وتستعد المناطق المسيحية في جبل لبنان، حيث تعذر التوافق بين موالاة ومعارضة لمعارك انتخابية في ظل ترنّح التوافق في بعض التجمعات مثل بلدة دير القمر في قضاء الشوف والتي تتسم برمزية خاصة. وعلى صعيد زيارة رئيس الوزراء القطري الذي يرافقه نائب رئيس الوزراء وزير الطاقة عبدالله العطية وعدد من الوزراء المختصين، فقد اجتمع بعيد وصوله بعد الظهر مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع. وقال الأخير إن البحث تناول «الأجواء السائدة في المنطقة والتطورات فيها». وأوضح جعجع أنه قام والشيخ محمد بن جاسم «بجولة سريعة على عمل حكومة الوفاق الوطني والأوضاع منذ اتفاق الدوحة (أيار 2008) وما حصل من تطورات حتى اللحظة». وعن التهديدات الإسرائيلية للبنان، أجاب جعجع: «تطرقنا الى هذه التهديدات وأطلعته على رأيي بكل صراحة وهو أن الاتجاه لمواجهة أي تهديدات مثل التهديدات الإسرائيلية هو أن يكون الصف الداخلي اللبناني موحداً ومرصوصاً. وأفضل شيء يمكن فعله ليكون كذلك هو أن يكون القرار الاستراتيجي وقرار الدفاع عن لبنان موجوداً داخل الحكومة اللبنانية لأن كل الشعب اللبناني يعتبر أنه ممثل في حكومة الوفاق الوطني». وعقد حمد بن جاسم خلوة مع الحريري أعقبها لقاء موسع وتم التوقيع على 13 اتفاقية بين البلدين أهمها المتعلق باتفاقية في شأن التشريع والحماية المتبادلة للاستثمارات بين البلدين، إضافة الى اتفاقيات تعاون في المجالات السياحية والزراعية والقانونية والأمنية وتبادل المعلومات ومذكرات تفاهم في التعاون الزراعي والسياحي والإذاعي والتلفزيوني. وهذا الاجتماع هو الثاني للجنة العليا المشتركة اللبنانية – القطرية بعد زيارة قام بها الحريري لقطر آخر شهر شباط (فبراير) الماضي. ووصف الحريري في مؤتمر صحافي عقده مع رئيس الوزراء القطري الأخير بأنه «صديقي وصديق لبنان والعلاقة بين لبنان وقطر متينة وتاريخية ونعول كثيراً على هذه العلاقة وحريصون على تطويرها وتفعيلها في الميادين كافة». وجدد شكره وتقديره لدولة قطر وأميرها على كل ما قدمته للبنان، خصوصاً خلال الأزمات والأوقات الصعبة سواء في مؤتمري «باريس – 2» واستوكهولم، أو خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان وبعده ومن خلال مشاركتها في «يونيفيل» بعد صدور القرار 1701. وأكد أن حكومة قطر «لعبت دوراً تاريخياً في اتفاق الدوحة الذي حصل برعاية الأمير حمد بن خليفة والذي بنينا عليه وفاقاً داخلياً». وأضاف إن قطر موّلت الكثير من المشاريع في لبنان. وقال إن المحادثات مع الشيخ حمد كانت جيدة جداً وممتازة. وأشار الى»أن الاجتماع يهدف بشكل أساسي الى تفعيل التعاون وتطويره بين البلدين في المجالات كافة». وأبدى حرصه على أن «تكون قطر شريكتنا في مرحلة الاستقرار والنمو». ودعا المستثمرين القطريين الى الاستفادة منها، وقال: «نحن حريصون على تأمين المناخ المناسب لتسهيل عمل القطاع الخاص القطري في مختلف القطاعات». وقال: «سيكون لنا لقاء ثنائي وسنركز على المواضيع السياسية، خصوصاً التهديدات الإسرائيلية للبنان وسورية وما نقوم به لمواجهتها والضغط المطلوب على إسرائيل لوقف تعنتها في وجه حق إخواننا الفلسطينيين في العودة الى دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس». بدوره قال رئيس الوزراء القطري أن أمير قطر حريص على تطوير العلاقة مع لبنان وتفعيل العلاقات الاقتصادية وثمة عزم قطري على تطويرها. ولفت الى أن لبنان «مر بالكثير من المحن وخرج منها أقوى». وأشاد بقيادة الحريري وقال: «إذا كان ثمة مشككون فقد أثبت أنك تستطيع أن تقود هذا البلد وأنا فخور بذلك وهذا يذكرنا بأن نترحم على الشهيد رفيق الحريري الذي كان صديقي أيضاً وصديق الأمير». وأضاف: «نحن سعداء كوننا رأينا أن ثمة وئاماً في لبنان يدعو للخفر ويجعل البيئة مناسبة للاستثمار مع قطر وتطويرها مع العالم الآخر». وعن التهديدات الإسرائيلية قال إنها «ليست غريبة ومن المهم جداً أن يكون واضحاً لدى إسرائيل أن المغامرات العسكرية سابقاً لم تنجح وإن شاء الله يكونون استوعبوا الدروس من المغامرات العسكرية على لبنان، أو على أي طرف عربي سواء في غزة أم غيرها». وأضاف: «نحن لا نستطيع أن نضمن ما تقوم به هذه الحكومة الإسرائيلية، لكن جرت اتصالات مكثفة في الأيام الماضية من قبلنا ومن جانب دول عربية أخرى، إذ أن الاتهامات التي صدرت من إسرائيل لا مبرر لها إذ لا يوجد أي دليل واضح على الاتهامات المتعلقة بصواريخ سكود أو غيرها». ورأى أن من المهم أن تعلم إسرائيل أن العالم «لا يستطيع أن يستوعب طريقة كذبها في خلق الذرائع للقيام بعمل معين أو لأهداف نحن أصبحنا نعلمها سواء في لبنان أم غيره». وأكد أن المنطقة تحتاج الى استقرار ولبنان دولة مستقرة الآن ووقفت على رجليها وسنسعى كلنا الى أن يستمر هذا الموقف في لبنان. واعتبر أن «إطلاق التهديدات ضد لبنان أو ضد سورية غير مقبول عربياً وسنقوم بما نستطيع لندرأ الحماقة التي تقوم بها إسرائيل دائماً». وقال الحريري رداً على سؤال عن الحكم على خلية «حزب الله» في مصر وعن رسالة تطمينية من الوزير المصري أحمد أبو الغيط في هذا الشأن: «نحن لا نتدخل في القضاء المصري، لكن ما قاله الوزير أبو الغيط نأمل بأن تحصل اتصالات بيننا وبينه في شأنه لنرى كيف نعالج هذه الأمور».