عندما تولى الاقتصادي سلام فياض رئاسة الحكومة الفلسطينية عقب سيطرة حركة «حماس» على قطاع غزة اواسط عام 2007، ظهرت اعتراضات من عدد من الاصوات المنافسة له على الموقع في حركة «فتح». لكن في الاجتماع الاخير للمجلس الثوري للحركة، بدا ان «فتح» من رأسها حتى قدميها توحدت وخرجت للحرب على من باتت ترى فيه منافساً آخر لها على السلطة، بعد حركة «حماس». وفي كلمته الافتتاحية في المؤتمر، وجه الرئيس محمود عباس ما فهمته الحركة رسالة واضحة للخروج الى المواجهة مع فياض، إذ أعلن ان الشأن السياسي ليس من اختصاص الحكومات ولا الفصائل، وانما من اختصاص منظمة التحرير. وقال عباس في كلمته: «أود التأكيد أن منظمة التحرير الفلسطينية ستبقى القيادة السياسية العليا وصاحبة القرار في كل ما يتصل بعملية السلام، المنظمة هي المسؤولة لا فصائل ولا حكومات ولا غيره، والمنظمة هي صاحبة القرار، ونحن منذ عام 1973 إلى اليوم نوقع باسم منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني». ورأى كثيرون في «فتح» في كلمة الرئيس اشارة الى عدم ارتياحه للدور السياسي المتنامي لفياض، خصوصاً بعد اعلان خطة حكومته الرامية الى اقامة مؤسسات الدولة المستقلة في غضون عامين، وشروعه في حملة شعبية للترويج لها، وتلقيه دعماً دولياً متنامياً لها. وخصص المجلس الثوري جلسة خاصة من جلسات اعماله التي تواصلت على مدى اربعة ايام، لمناقشة وضع الحكومة الفلسطينية اوصى في نهايتها الرئيس بإجراء تعديل على الحكومة على نحو يعزز من مكانة الحركة فيها. وقال اعضاء في المجلس ان الرئيس عباس لم يحضر هذه الجلسة، الامر الذي اعتبرها كثيرون اشارة منه الى اطلاق انتقاداتهم لفياض وحكومته. واطلق بعض الاعضاء انتقادات قوية ضد بقاء فياض على رأس الحكومة لانه من خارج الحركة، فيما طالب الباقون، وهم الغالبية، ببقاء فياض على رأس الحكومة، لكن مع عدد اكبر من الوزراء من «فتح»، وتقييد حركة فياض التي باتت تغطي على «فتح» وعلى المنظمة وقيادتها. ويقول مسؤولون في «فتح» ان حكومة فياض تجاوزت دورها وذهبت الى صلاحيات منظمة التحرير. وكان فياض اعلن في اكثر من مناسبة ان خطة حكومته تسير في تناغم مع المقاومة الشعبية على الارض، ومع النضال السياسي لمنظمة التحرير. لكن يبدو ان الاشادة والدعم له ولخطة حكومته لاقامة مؤسسات الدولة من جانب اللجنة الرباعية والاتحاد الاوروبي والادارة الاميركية، خلقا له الكثير من الاعداء والخصوم الذين باتوا يرون فيه تهديداً على سيطرة «فتح» المطلقة على السلطة. وينقسم الرأي العام في «فتح» ازاء فياض بين من يرى ضرورة اطاحته واقصائه قبل ان «يبتلع السلطة»، وبين من يرى وجوده ضرورياً لمواصلة ادارة الحكومة وجلب الدعم الدولي، لكن اصحاب هذا المعسكر يطالبون بتطويقه والحد من طموحه السياسي. ودأب الرئيس عباس على مواجه اي انتقادات في «فتح» للدكتور فياض، لكن في الآونة الاخيرة لم يعد مدافعاً عنه. وتقول مصادر مطلعة ان خلافات عدة سجلت بين الرجلين منذ تشكيل الحكومة الاخيرة، وتركزت على عدد من الوزراء ابرزهم وزير الخارجية الدكتور رياض المالكي الذي يريده عباس ويرفضه فياض، علماً ان الاخير اراد وزيراً للخارجية من «فتح» هو الدكتور ناصر القدوة. وأخّر الخلاف بين عباس وفياض تشكيل الحكومة لأكثر من اسبوع اضطر فياض في نهايته الى قبول اصرار الرئيس. وتجدد الخلاف بين عباس وفياض أخيراً على التعديل الوزاري الجديد، فرئيس الحكومة اراد تغيير عدد من الوزراء الذين لم يعد راضياً عن ادائهم، لكن مرت اسابيع عدة من دون ان يقول الرئيس كلمته في ذلك، الامر الذي لم يرض رئيس الحكومة. لكن الخلاف الجوهري يتناول الدور السياسي المتنامي لفياض، ويرى مراقبون ان العلاقة بين فياض و «فتح» لم تصل بعد الى الطلاق بسبب حاجة كل منهما للآخر. وقال المعلق السياسي هاني المصري: «فياض في حاجة الى فتح، وفتح في حاجة الى فياض». وأضاف: «فتح لديها القوة الشعبية، والمنظمة، وقوة في المجلس التسريعي، وفياض لديه صدقية دولية تسهل حصول السلطة على الدعم الدولي». وتابع: «مندون حل هذه المعادلة تظل الانجازات مهددة».