ليس من السهل أن تبدو جائزة الملك فيصل العالمية اليوم، جائزة مرموقة يقبل على الترشح لها شخصيات علمية وبحثية وأدبية على مقدار كبير من الأهمية، فأكثر من ثلاثة عقود مرت حتى أضحت نزاهتها غير قابلة للشك، بخاصة أن كثيراً ممن فازوا بها حازوا جائزة نوبل وجوائز أخرى دولية. ففي مساء أول من أمس، توج الأمين العام للجائزة الدكتور عبدالعزيز السبيل، في مركز الخزامى بالرياض، أسماء جديدة استحقت الجائزة، بناء على ما قدمته من جهود متفردة في مجالات الجائزة المتنوعة، فالشيخ الدكتور صالح بن حميد (سعودي) حائز جائزة خدمة الإسلام، لدوره في مجمع الفقه الإسلامي الدولي، الذي يمثل المرجعية الفقهية للأمة في القضايا الحادثة والمستجدة. إذ بذل -بحسب بيان أمانة الجائزة- جهداً يجمع بين الرأي الفقهي المؤصل، واستيعاب متغيرات العصر الحاضر، وقدرة على التأثير الإيجابي في تناول القضايا الفقهية المعاصرة، وتمتعه بشخصية علمية شرعية وعدالة ووسطية، هيأته لأن يكون من أهم الشخصيات الإسلامية العالمية التي تخدم الدين الإسلامي، إضافة إلى تأليفه كتباً إسلامية تبرز سماحة الإسلام وقيمه وتاريخه. أما الدكتور عبدالله الغنيم (كويتي) الذي فاز بجائزة الدراسات الإسلامية وموضوعها «التراث الجغرافي عند المسلمين»، فهو قدم مجموعة من الأعمال في الجغرافيا عند المسلمين تأليفاً وتحقيقاً، إضافة إلى تميزه في إحياء مصطلحات عربية قديمة لأشكال سطح الأرض، وإعادة توظيفها في الجغرافية المعاصرة، كما في كتاب «اللؤلؤ»، وكتاب «في التراث الجغرافي العربي»، ورصده التاريخي غير المسبوق للزلازل كما في كتابه «سجل الزلازل العربي». في حين يأتي فوز كل من الدكتور محمد عبدالمطلب (مصري) والدكتور محمد مفتاح (مغربي) بجائزة اللغة العربية والأدب وموضوعها «الجهود التي بُذلت في تحليل النص الشعري العربي»، تقديراً لإنجازات الأول في مجال التحليل التطبيقي للنصوص الشعرية؛ إذ درس النصوص بكفاءة واقتدار موائماً بين معرفة عميقة بالتراث والنظريات الأدبية الحديثة، ولتوظيف الثاني معارفه العلمية الحديثة في تحليل النصوص الشعرية بعمق وأصالة مع قدرة فذة في الوصف والتحليل ووعي بقيمة التراث وانفتاح على الثقافة الإنسانية. وتميز الفائزين بجائزة الملك فيصل العالمية في فرع الطب وموضوعه «التطبيقات السريرية للجيل القادم في علم الجينات» وهما الدكتور هان جريت برونر، والدكتور يورس فلتمان (هولنديان)، في الارتقاء بالتطبيقات السريرية للجيل المقبل في علم الجينات إلى التشخيص الإكلينيكي، إذ إنهما طورا طرقاً عملية لتحليل عينات للمرضى المشتبه أن لديهم أمراضاً وراثية، وهو ما حفز ذلك إلى إدخال هذه التقنيات إلى العيادة الطبية، وكوَّنا فريقاً بدأ بتعاون دولي في أبحاث الجينات وتشخيصها، ونشرا بحوثهما في مجلات علمية مميزة عالمياً وحصلا على اعتراف من زملائهما في التخصص بكونهما علماء مبتكرين. أما الفائزان بالجائزة في فرع العلوم وموضوعه «علم الحياة» وهما الدكتور فامسي كريشنا موثا (أميركي) والدكتور ستيفن فيليب جاكسون من (بريطاني)، فالأول استخدام الميتاكوندريون (المسؤولة عن إنتاج الطاقة في الخلية) نموذجاً جديداً يربط بين الجينومكس والبروتيومكس والاستقلاب وعلم الحاسوب الحيوي. كما استخدم هذه الاستراتيجية التكاملية، إضافة إلى استطاعته التعرف على حلقة الوصل بين الاختلال الوظيفي في الميتاكوندريون على مستوى الجزيئات والأمراض المستعصية، مثل مرض السكري، وهو ما يعتبر إسهاماً في إيجاد تطبيقات جديدة في التشخيص والعلاج. في حين أن الثاني استحق الجائزة لإسهاماته المميزة في التعرف على الصلة بين آليات اضطراب الجينوم وعلاقة ذلك بمرض السرطان، وبصفة خاصة استطاع أن يكتشف العوامل الجزيئية لإصلاح الحمض النووي. كما يرجع الفضل إلى الدكتور جاكسون في ابتكار أسلوب جديد لتحويل نتائج أبحاثه إلى أدوات لمعالجة السرطان.