كلما وضعت القلم منهياً مقالتي الأسبوعية لهذه الصحيفة المرموقة أبدأ بالتفكير فيما سأكتبه الأسبوع القادم؟ وهل سيستجد في المحيط حولي ما يستحق الكتابة عنه؟ بالمناسبة فالمقالات تقتات على المستجدات والمتغيرات لا الرواكد والثوابت، مثلما أنها تقتات أكثر على السلبيات والأخطاء أكثر منها على الإيجابيات. الكتابة صرخة... فلماذا أصرخ ما دام أن المركبة تسير في الطريق المستقيم؟! قلقي من التوافر على موضوع لمقالة الأسبوع التالي يبدده أن مركبة العالم، لحسن الحظ أو لسوئه، كثيراً ما تخرج عن الطريق المستقيم، ما يجعل الكون بحاجة دوماً إلى المزيد من الكتّاب من أجل مواكبة الاحتياج المتزايد من الصرخات... كل يوم وليس كل أسبوع فحسب! حينما كنت صغيراً لم أكن أعرف أن لدينا «قضية» سوى قضية فلسطين. لا أدري هل كان هذا هو الواقع فعلاً، أتحدث هنا عن نهاية الستينات، أم أن عقلي الصغير آنذاك لم يكن يتحمل استيعاب أكثر من قضية واحدة؟! لطالما تمنيت أن أشاهد تسجيلاً لنشرة أخبار أحد أيام عام 1968 أو 1969 أو 1970، أريد أن أشاهد أخبار ما بعد نكسة 1967 وما قبل «مكسة» 1973! لو صدق حدسي الطفولي بأنه لم تكن آنذاك قضية تتصدر نشرات الأخبار سوى قضية فلسطين، فسأزداد طمعاً في البحث عن نشرات الأخبار العربية فيما قبل نكبة 1948، عام ولادة قضية فلسطين، لكن في ذلك الحين لم يكن كثير من الدول العربية قد توافرت على خدمات التلفزة بعد. إذاً سأبحث عن نشرة أخبار ال «بي بي سي» البريطانية ما قبل 1948. لكني سأجدها مشغولة عن قضايا العالم العربي بمتابعة فصول الحرب العالمية الثانية. يا الله... الحروب تطاردنا كلما بحثنا عن نشرة أخبار سلام! يبدو أن الماضي لم يكن أكثر بياضاً من الحاضر، ولا مبرر لترديدنا أن العالم الآن يعيش أسوأ حالاته وأوقاته في التاريخ. صحيح أن الإنسان الآن يعيش بين وسائل الراحة المحيطة به بكل قلق... ويتعايش مع أسرته والمجتمع المحيط به بين وسائل الاتصال المتوافرة والمذهلة، بمنتهى القطيعة والانفصال! أما قضايا نشرات الأخبار العربية فتتكاثر كل يوم، بحيث تغير ترتيب قضية فلسطين في نشرة الأخبار، فبعد أن كان الأول دوماً حتى السبعينات، تحول إلى الثاني في الثمانينات، ثم الثالث في التسعينات، ثم الرابع في مطلع الألفية الجديدة، وقد تزحف أخبار قضية فلسطين إلى الوراء في العقد القادم لتصبح ضمن الأخبار الرياضية! لنردد جميعا مطلع قصيدة «الفَرَج» الصوفية الشهيرة: اشتدي أزمة تنفرجي قد آذن ليلك بالبَلَجِ وظلام الليل له سُرُجٌ حتى يغشاه أبو السُّرُجِ لا أدري لماذا أجد قواسم مشتركة بين الانفراج والانفجار، قواسم لسانية وميكانيكية، لكني لا أجد قواسم سلمية، على رغم الزعم بأن بعض الانفجارات هو لأغراض سلمية! مهما يكن... نريد انفراجاً لا انفجاراً. * كاتب سعودي [email protected]