في أحد المتاجر الكبرى وقفت أمام شاب سعودي يعمل محاسباً عند آلة الدفع، وفيما كنت أقوم بدفع ثمن مشترياتي، إذ بمشترٍ هندي معه سلعة واحدة صغيرة يقف خلفي، لكن الشاب السعودي نهره قائلاً: خلاص صلاة. فتدخلت كعادتي في «اللقافة»، وقلت: ياخوي من الخير لك وله أن تسهل عليه وتجعله يدفع، فليس معه سوى سلعة واحدة. خجل الشاب، وقال له: يالله هات. لكن رجلاً عربياً آخر جاء يركض ومعه قطعة سمك، لكن الشاب المحاسب قال له: دع سمكتك جانباً وعد بعد الصلاة. وقلت له كأنني مراقبة اعمل في المتجر: يا أخي ما يصير ذا الكلام، ما في يده سيخرب. وما أن سمع العربي فزعتي معه حتى شاركني قائلاً: كما أنني لا استطيع أن أعيدها للثلاجة لأنها وزنت وسُعِّرت ولا استطيع تركها والعودة لها. ستخرب. تمرد الشاب على حججنا وقال: مالي شغل. كلموا المراقب هناك. نظرت للمراقب حيث أشار، وقلت له: تعال يا مراقب. تدخل شف شغلك. قال المراقب: لا استطيع. أرجوكم أن تغادروا الآن. ستداهمنا «الهيئة»، قلت له ولماذا تعاقبك؟ هل لأنك تحاسب مشترياً واحداً والمحل فارغ من الناس؟ ثم أنني لم اسمع بعد صوت الأذان. أمامنا عشر دقائق والمسجد في وسط السوق تستطيع الوصول إليه في دقيقة واحدة. قال لي: تفاهمي مع «الهيئة» إذا جَتْ. هذا الكلام ما يمشي عندهم. نزع السلع من أيدي المتسوقين والركض لإقفال المحل قبل الصلاة، وقبل حتى أن ينطلق الأذان، هو مشهد مألوف في أسواقنا، ويعاني منه كل مستهلك، ليس بسبب أن الناس تريد أن تلحق بصلاة الجماعة، فبعض الباعة يصلون بجانب محالهم المغلقة، وبعضهم غير مسلمين ويذهبون للتدخين أو التجول في السوق لحين انتهاء الصلاة. وأغرب حالة إغلاق صادفتها حين رفض فرع بنك نسائي أن يفتح لي الباب وقت الدوام، في يوم شتائي ممطر، فبعد أن قرعت الجرس قالت لي الموظفة: عودي بعد الصلاة، قلت لها طيب دعوني أدخل انتظر بالداخل، ولا تقدموا لي خدمة حتى بعد انتهاء وقت الصلاة، لكنهم رفضوا. شكوتهم عند المدير فاعتذر، وقال لي: أوامر «الهيئة». مرات كثيرة وقفت أمام صيدلية داخل مستوصف أو مجمع عيادات، وطفلي محموم ودرجة حرارته مرتفعة، لأن الصيدلية مغلقة وقت الصلاة والمرضى ينتظرون. المسافرون على الطرق البرية ينتظرون على الطريق السريع أو يغامرون بمواصلة الطريق لأن محطات البنزين وخدماتها الأخرى مقفلة، وغالبية من يخدم فيها غير مسلمين. مرة قالت لي قريبتي إن طبيب الأسنان توقف عن عمله في أسنانها وقت الصلاة، وقال إنني مضطر بحسب أوامر «الهيئة» أن أتوقف وأهبط للصلاة في باحة المجمع السكني الذي يضم مكاتب وعيادات. يعني الصلاة داخل العيادة غير مقبولة، يجب أن تكون صلاة الجماعة علنية تسد طريق المجمع السكني ويشهدها الجميع. إن ترك الناس ينتظرون حتى لمجرد شراء ربطة خبز يجعل الأمر أكثر تعقيداً حين يطول بهم الوقت، وإذا كانت الآية القرأنية (ذروا البيع) واضحة وضوح الشمس فإنها لصلاة يوم الجمعة فقط، فإن الشيخ العلامة «ابن عثيمين» في «لقاء الباب المفتوح» (شريط 201) يجيز تأخير الصلاة، ويستشهد بحديث أخرجه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع في المدينة من غير خوفٍ ولا مطر، قالوا: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته» أي: ألا يلحقها حرج، بل قال العلماء: حتى لو كان الخباز يخبز فخاف أن يحترق الخبز واضطر إلى أن يؤخر الصلاة فيجمعها إلى ما بعدها جمع تأخير فلا بأس. ثم يضيف: إذاً الضابط هو المشقة، سواء في البدن أم في المال أم في الأهل أم ما أشبه ذلك، حتى لو ضاع عليك شيء وذهبت تطلبه، وخفت أن يضيق عليك الوقت فاجمع ؛ اجمع الأولى إلى الثانية، أو إذا كنت تخشى أن تسافر بعيداً فاجمع الثانية إلى الأولى، فالجمع بابه واسع والحمد لله». إن كان هذا هو ما جاءت به أحاديث الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واتفق عليه العلماء، فكيف يتفق أن نرى أسراب النساء «متكومات» في مهانة على المحال وفي الشوارع بعباءاتهن السود وأطفالهن على أيديهن أو «ينتظرن» في ملل على الطرقات، وأن ترى عمالاً ينهرون الزبائن ويصرخون فيهم برعب: يالله يالله صلاة، وكأن من المعروف ترك الناس وتعطيلهم وتخويفهم. وليس في حثهم على تقوى الله في السر والعلانية.