مرت ذكرى مجازر الأرمن بسلام. ولم يصف الرئيس الاميركي، باراك اوباما، المجازر هذه بالتطهير العرقي ولا بالابادة، على خلاف ما يشتهي الارمن. وأثلج موقف أوباما قلب رئيس الوزراء التركي. ولكنه اغضب اللوبي الارمني في أميركا، وهو اقترع لأوباما في الانتخابات الرئاسية لقاء وعد بإدانة «ابادة» الارمن في 1915. ولكن اوباما أثار حفيظة اللوبي الارمني جراء دعوته الى التقارب بين ارمينيا و تركيا وتشجيعه التطبيع بينهما. وفي خطابه الاخير، زاد حنقهم عليه. فهو شكر الاتراك الذين قاموا بمساعدة بعض الارمن، في 1915. ونجد في كتب التاريخ التركية التي لا نعرف صدقها من خلافه أخباراً كثيرة عن اتراك خبأوا جيرانهم الأرمن، وحالوا دون قتلهم. ومثل الاخبار هذه مدون في كتب التاريخ الاجنبية، ولكن عددها يقل عن نظيرها في الكتب التركية. وأثنى اوباما على النقاش الدائر في تركيا على المذابح، مشيراً الى «حلحلة» في الموقف التركي المتصلب من القضية الارمنية. ولكن اللوبي الارمني في أميركا، وهو لسان حال المتطرفين القوميين الارمن، تزعجه تلك الخطوات التي يعتبرها اوباما ايجابية. فهؤلاء يرون أن الاتراك كلهم قتلة. ويسهم بعض القوميين الاتراك في ترسيخ تلك الصورة من طريق اغتيال شخصيات ارمنية بتركيا والتستر على القتلة. ولكن تلك الصورة بدأت تتغير. وأخذ المواطنون العاديون ومؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الانسانية على عاتقهم مهمة مخاطبة الارمن. ولا يستهان بتظاهر عشرات الاتراك في محطة قطار اسطنبول في ذكرى المجازر، واعلانهم التعاطف مع ضحاياها وضحايا عملية التهجير. وحاول بعض القوميين المتطرفين الاحتجاج على تلك التظاهرة، ولكن الشرطة تدخلت، وحالت دون الاصطدام بين المتظاهرين. ومبادرة الشرطة الى حماية المتظاهرين والمتضامنين مع الارمن في تركيا هو تطور جديد ومهم. وخطوات التقارب الانساني مع الارمن تزداد. ولعلها بدأت تحرج السياسيين القوميين المتطرفين. فهي تصدر عن مقربين منهم. فعلى سبيل المثال، سعت النائبة جانان اريطمان في منح الحكومة الجنسية التركية الى ارثر مانوكيان، وهو ارمني الجنسية، ليتلقى العلاج مجاناً في تركيا. والنائبة هذه من حزب «الشعب الجمهوري» المعروف بموقفه المتطرف من القضية الارمنية، والرافض التقارب مع الارمن. وعلّق وزير الخارجية، أحمد داود اوغلو، على كلمة الرئيس اوباما عن حوادث 1915، قائلاً إنه يرفض ان يصدر السياسيون أحكاماً في التاريخ. ودعا أوغلو الى ان يترك التاريخ للمؤرخين وألا يتاجر به في محافل السياسة. ونقول للسيد وزير الخارجية ان كلامه معقول لو صدر عن أكاديمي أو مؤرخ. ويفتقر صدوره عن ممثل دولة تعمدت طوال عقود تزييف التاريخ، واستخدمته في غسل عقول المواطنين الى المنطق. * معلّق، عن «مللييت» التركية، 26/4/2010، إعداد يوسف الشريف