ليست ظاهرة ال»تي بارتي» (حفلات الشاي) طارئة على المجتمع الأميركي. ويمثل مناصروها شطراً صغيراً من اليمين الأميركي السياسي. ولن يكون الفوز من نصيب أكبر حزبين أميركيين، إذا حسِب الديموقراطيون والجمهوريون أن حركة الاحتجاج هذه، وهي من بنات وسائل الاعلام، هي حركة شعبوية فعلية. فالديموقراطيون سيسعون في استمالة اصوات ناخبين لن يقترعوا لهم أبداً. ويغامر الجمهوريون بالانزلاق الى الانغلاق والتقوقع والغضب، ويفشلون في الفوز بغالبية نيابية قابلة للحياة. وتسليط الاضواء الاعلامية المتواصل على ال»تي بارتي» ينقل صورة غير أمينة عن أفكار الأميركيين وأهوائهم وأحوالهم، ويسهم في حرف النقاش السياسي عن سويته. وبحسب دراسة دقيقة تقصت فيها صحيفة «نيويورك تايمز» وموقع «سي بي سي نيوز» أحوال جمهور حركة ال»تي بارتي»، يبدو أن الحركة هي ثمرة انبعاث حركة قديمة مناوئة للحكومة في أوساط أقصى اليمين المتطرف. والتيار هذا لم يغب يوماً عن المجتمع الاميركي، ويمثل نحو خمس السكان. ويبدو أن حركة «تي بارتي» تستميل اليها ذكوراً جمهوريين وبيضاً ومتزوجين وميسورين مالياً. وهم في سن تزيد عن ال45 عاماً. وتحصيلهم العلمي عال، وأعلى من متوسط تعليم الأميركيين. وهذا ضرب جديد من الشعبوية، وهي شعبوية «المحظيين». وأشارت الدراسة الى ما يتردد الأميركيون البيض في مناقشته والبحث فيه. فعرق الرئيس باراك اوباما هو وراء جزء لا يستهان به من غضب مناصري حفلات الشاي عليه، واستيائهم من سياساته. وقد يسارع حملة السلاح في «حفلات الشاي» الذين يلوحون باللجوء الى العنف ويرفعون شعارات بائتة عن حقوق الولايات والكونفيديرالية، الى التنديد بالخلاصة هذه. ولكن الانتماء العرقي ليس وحده وراء معارضة أوباما، بل هو واحد من عوامل عدة. فرداً على سؤال: هل ترى ان الحكومة بالغت في تقويم مشكلات السود وفي مساعدتهم على تخطي مشكلاتهم، أم أنها لم تبذل جهوداً كافية، أم أن المسألة ترتبط بتحصيل حقوق السود فحسب؟ أجاب 28 في المئة من الأميركيين بالايجاب عن السؤال الاول. ومنهم 19 في المئة ممن لا يؤيدون ال»تي بارتي» و52 في المئة من مؤيدي ال»تي بارتي». والنسبة الاخيرة هذه مرتفعة وهي ثلاثة أضعاف نظيرها في أوساط بقية الأميركيين الذين يرون أن الحكومة بالغت في مساعدة السود. ويرى نحو ربع مؤيدي ال»تي بارتي» أن سياسات ادارة أوباما منحازة الى مصالح السود على حساب مصالح البيض، في حين أن النسبة هذه لا تتعدى ال11 في المئة في صفوف بقية الأميركيين. وتنحاز حركة ال»تي بارتي» الى الأغنياء والميسورين ضد الفقراء. ف38 في المئة من الاميركيين قالوا أن «مساعدات الحكومة للفقراء تشجعهم على البقاء فقراء». وارتفعت النسبة هذه الى 73 في المئة في أوساط مناصري ال»تي بارتي». وارتضى 50 في المئة من الاميركيين «إنفاق الحكومة الفيديرالية الاموال لتوفير فرص عمل، ولو ترتب على الانفاق هذا عجز في الموازنة. ولم تتجاوز النسبة ال 17 في المئة في أوساط ال»تي بارتييرز». وأيد 54 في المئة من الأميركيين رفع معدلات الضرائب على أصحاب الدخل العالي الذي يفوق عتبة 250 ألف دولار سنوياً، وتراجعت النسبة هذه الى 17 في المئة بين مؤيدي ال»تي بارتي». ولا شك في أن حركة ال»تي بارتي» هي أول حركة «شعبوية» تقودها شبكة تلفزيونية، وترعاها. ويتابع 63 في المئة من جمهور ال»تي بارتي» نشرات أخبار محطة «فوكس نيوز» التلفزيونية، وتقتصر نسبة بقية الاميركيين من متابعي النشرات هذه على 23 في المئة. ولا يطعن أحد في حق اليمين الأميركي في متابعة نشرات خاصة به، وفي حق «فوكس نيوز» في استمالة الجمهور هذا. ولكن ما لا يجوز هو السماح لأقلية من الرأي العام الاميركي الهيمنة على وسائل الاعلام، وحرف الخطاب السياسي عن جادته. وليست الشعبوية هذه مرآة أحوال الاميركيين الأمينة. والسبب في استياء الاميركيين وأرقهم هو ضعف ثقتهم في الحكومة والمؤسسات الاميركية المالية والمصرفية والشركات الكبيرة. فبحسب دراسة مركز «بيو»، 22 في المئة من الاميركيين فقط يقولون أن في وسعهم ايلاء الحكومة ثقتهم في معظم الأحوال. * معلق ومحلل، عن «واشنطن بوست» الاميركية، 19/4/2010، إعداد منال نحاس.