يتزايد اهتمام الرأي العام العالمي بما يجري حالياً في الساحة الفلسطينية، وبالموقف الذي تتخذه الإدارة الأميركية من السياسة التي تمارسها حكومة إسرائيل الرافضة للسلام والمتمردة على القوانين الدولية. ولأن الأمر وصل إلى درجة الخطورة القصوى، نتيجة تعنت إسرائيل ومعارضتها المواقف التي تعلن عنها الإدارة الأميركية، مما باتت تهدد به مصالح العالم أجمع، رأيت أن أوجّه من خلال جريدة «الحياة» ذات السمعة الدولية، هذه الرسالة المفتوحة إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما. «سيادة الرئيس، لا يخامرني أدنى شك في صدق توجهكم لإقامة سلام عادل في الشرق الأوسط، يتم بموجبه إعطاء الفلسطينيين حقهم في إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدسالشرقية، وإنهاء معاناتهم التي طال أمدها. وتأتي مبادرتكم التي أعلنتم عنها في هذا الشأن، والخطوات التي تم اتخاذها حتى الآن، دليلاً على ذلك. غير أن التعنت الإسرائيلي والاستمرار في بناء المستوطنات في القدسالشرقية وبقية أنحاء الضفة الغربية والتهديد بشنّ هجمات على سورية ولبنان وإيران، والتمادي في عملية تهويد القدس وإجراء الحفريات تحت المسجد الأقصى في مخالفة للقانون الدولي وتعالٍ على إرادة المجتمع الدولي المصممة على إنهاء هذه المشكلة، كل ذلك يعد تحدياً لمبادرتك ورفضاً لها. ومن المؤسف أن يبادر عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي تحت ضغط اللوبي الإسرائيلي في الولاياتالمتحدة الأميركية، إلى اتخاذ موقف مناقض لتوجهات الإدارة الأميركية، الساعية إلى إيجاد حل عادل وشامل في المنطقة، وهذا الموقف يشجع بلا شك، الحكومة الإسرائيلية على الاستمرار في سياساتها المخالفة للقانون الدولي والمحبطة لكل أمل في تحقيق السلام العادل والشامل الذي يحفظ لكل طرف حقَّه، ويحول دون حدوث توترات جديدة تضر بمصالح العالم أجمع. إن مصالح الولاياتالمتحدة الأميركية في العالم الإسلامي، كبيرة وكثيرة، وليس من المنطق ولا من الحكمة ولا من المصلحة، إهدارها لإرضاء مجموعة من المتطرفين في إسرائيل لا ترغب في السلام ولا تسعى الى تحقيقه، وتعمل في إصرار على عرقلة جهود السلام بشتى الوسائل. وقد أبدى العالم الإسلامي حرصه على حل هذه المشكلة المزمنة، فتبنى خطة السلام العربية التي رفضتها إسرائيل وماطلت في تحقيق أي تقدم يضمن تنفيذها. بل إن إسرائيل تقوم اليوم بتأليب القوى اليهودية في الولاياتالمتحدة الأميركية وفي العالم، لمناهضة سياستكم، وتستنجد بشخصيات يهودية تدّعي حرصها على السلام، أمثال إيلي فيزل، للضغط عليكم من خلال وسائل الإعلام التي تتحكم فيها، وتقديم صورة مغلوطة للرأي العام الأميركي والعالمي بصورة عامة، عن حقيقة الموقف الإسرائيلي المتعنت. لذلك فإنني، وبصفتي مواطناً عربياً مسلماً منشغلاً بقضايا الحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات وبثقافة العدل والسلام والتعايش بين الشعوب، أدعوكم لكي تستمروا، سيادة الرئيس، في مساعيكم لتحقيق هذا الحلم النبيل، حيث سيكتب لكم التاريخ إذا نجحتم في مسعاكم وحرصتم على تطبيق سياستكم المعلنة في الشرق الأوسط، أنكم صانع العدل والسلام في الأراضي المقدسة. وهذا فخر لكم وللشعب الأميركي، لا يماثله فخر في دنيا السياسة. وليعلم الشعب الأميركي، سيادة الرئيس، أن مصالحه مُقدَّمة على مصلحة أعوان إسرائيل في الولاياتالمتحدة الأميركية، الذين يعطون ولاءهم التام لدولة محتلة عدوانية رافضة للسلام، ويساهمون في استمرار معاناة شعب مظلوم يرزح تحت احتلال غاشم، تُرتكب في حقه جرائم ضد الإنسانية كل يوم، لا يراها العالم بسبب انحياز كثير من وسائل الإعلام في تغطية ما يجري في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة. إننا، يا سيادة الرئيس، أمة دينُها يدعو إلى السلام، ويجرّم العدوانَ والبغيَ والظلم، وليس من مصلحة الولاياتالمتحدة الأميركية الانسياقُ وراء أهواء دعاة الحرب والكراهية والعنصرية، وسلب الشعوب حقوقها المشروعة في الحياة الحرة الكريمة. إن السلام العادل في فلسطين، يا سيادة الرئيس، هو المدخل الكبير لبناء عالم جديد متضامن لا مجال فيه للإرهاب والتطرف والعدوان والاحتلال. وأنتم تملكون اليوم فرصة تاريخية عظيمة، فلا تدعوها تفلت من أيديكم، ولكم مني كل التقدير والاحترام». تلك هي الرسالة التي رأيت من واجبي الذي يفرضه عليَّ ضميري واقتناعي العميق برسالة الفكر والقلم في خدمة الإنسانية، أن أبادر إلى توجيهها للرئيس الأميركي الذي لا أشك بتاتاً، في توجهه الصادق نحو تسوية القضية الفلسطينية تسوية عادلة تستند إلى الشرعية الدولية. إن إسرائيل تقف اليوم، كما هو شأنها منذ أكثر من ستين عاماً، في الصف المعارض لإرادة الشعب الأميركي وللمصالح العليا للولايات المتحدة الأميركية، حين تتجاهل النداءات التي وجّهها الرئيس باراك أوباما إليها، لإيجاد حل عادل وعاجل للمسألة الفلسطينية، وتُعرض إعراضاً كاملاً، عن الاستجابة للموقف الذي اتخذه إزاء الوضع الخطير في الشرق الأوسط. وإذا كانت حكومة إسرائيل تضرب عرض الحائط بالقرارات الدولية ذات الصلة بالأزمة في الشرق الأوسط، وتتمادى في سياستها العدوانية المخالفة لكل القوانين الدولية، فإنها بذلك تضر إضراراً بالغاً بمصالح الولاياتالمتحدة الأميركية، وبمصالح دول العالم أجمع. إنني أستحضر في هذه اللحظة الخطاب التاريخي الذي وجهه الرئيس أوباما إلى العالم الإسلامي من جامعة القاهرة، وأستحضر لقائي به في اسطنبول في الربيع الماضي، على هامش المنتدى العالمي لتحالف الحضارات. ولذلك رأيت واجباً عليّ أن أوجّه هذه الرسالة إلى رئيس الولاياتالمتحدة الأميركية، الذي يتعرض لضغوط كبيرة تقوم بها الدوائر الموالية لإسرائيل لصرف الأنظار عن جرائمها في فلسطين، وإصرارها على إجهاض عملية السلام في الشرق الأوسط. * المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة –إيسيسكو.